للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومثاله أيضًا: من اعتقد في رجل أنه صالح وهو في نفس (١) الأمر طالح (٢)، أو اعتقد في رجل أنه طالح (٣) وهو في نفس الأمر صالح، وكذلك كل من اعتقد شيئًا على خلاف ما هو عليه (٤) فإن ذلك كله جهل مركب؛ لأنه جهل الحق في نفس الأمر، وجهل أنه جهله، ففيه جهلان.

وقد يقع الجهل مركبًا من ثلاث جهالات، ومنه قول المتنبي رحمه الله:

ومن جاهل بي وهو يجهل جهله ... ويجهل علمي أنه بي جاهل (٥)

وأورد على هذا الكلام: بأن ظاهره يقتضي: بأن الجهل المركب لا يكون إلا في التصديقات دون التصورات (٦)، مع أنه قد يقع أيضًا في التصورات،


(١) في ز: "وهو طالح في نفس الأمر".
(٢) في ط: "ظالم".
(٣) في ط: "ظالم".
(٤) نقل المؤلف هذا المثال من شرح التنقيح للقرافي ص ٦٣.
(٥) هذا البيت قاله المتنبي في صباه وهو من قصيدة له مطلعها:
قفَا تَرَيَا ودقي فهاتا المخايل ... ولا تخشيا خلفًا لما أنا قائل
رَماني خساس الناس من صائب استه ... وآخر قطن من يديه الجنادل
ومن جاهل بي وهو يجهل جهله ... ويجهل علمي أنه بي جاهل
في البيت الأول يطلب من صاحبيه الصبر وأنهما سيريا منه شأنًا عظيمًا، ويعدهما أن سيقتل الأعداء ويبلغ الآمال، وأنه لن يخلف الوعد.
وفي البيت الثاني بيّن أن الناس رموه بالمعايب؛ فمنهم من رماه بعيب فيه فأصابه نفس العيب، وآخر لم يؤثر كلامه على المتنبي بل هو كقطعة من القطن.
وبيّن في البيت الثالث حالة رجل آخر جاهل مركب لا يعرف المتنبي ولا يعرف جهله ويجهل أن المتنبي عالم بجهله.
انظر هذا البيت في: شرح ديوان المتنبي للعكبري ٣/ ١٩٧.
(٦) في ز: "التصويرات".