للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على الإخبار قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: ١٥٧].

قال بعض العلماء رحمهم الله تعالى: وهل يحتاج في امتثال الأمر إلى إنشاء قصد، واستحضار النية لطلب، وإخراج الكلام عن حقيقته من الخبر؛ وأجاب بأنه: إن كان اللفظ المستعمل قد كثر حتى صار كالمنقول في عرف الاستعمال لم يُحْتَجْ إليه؛ لأنَّ الغالب عرف الاستعمال على الحقيقة اللغوية، وإن استُعْمِل لفظٌ لم يَنْتَهِ العُرْفُ إلى ذلك؛ فالأقرب الحاجة إليه.

الثالثة: معنى قوله: (والصلاة والسلام) أي: والصلاة والسلام من الله تعالى على محمدٍ.

الرابعة: الصلاة من الله تعالى مفسرة بالرحمة، ويقتضي هذا أن يقال: اللَّهم ارحم محمدًا؛ لأن المترادفين إذا استويا في الدلالة قام كل واحد منهما مقام الآخر. قال بعض العلماء: ويشهد لهذا تقريرُهُ - صلى الله عليه وسلم - الأعرابيَّ على قوله: "اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمدًا" (١). وأَبَى ذلك بعض العلماء لدِلالة لفظ الصلاة على معنى من التعظيم لا يُشْعِرُ به لفظ الرحمة، ولهذا قال بعض الفقهاء: لا يصك على غير الأنبياء إلا تَبَعًا - أو من قاله منهم -.

ولفظ الرحمة إشعاره ناقص عن مدلول اللفظ الأول، ولا خلاف في إطلاقه على غير الأنبياء، وهذا مما يخدش في الترادف، ويُمْكِنُ أن يقال: إن تفسير الصلاة بالرحمة بيّن أن معنى أصل موضوع الكلمة غير مأخوذ فيه ما اختصت به إحداهما، ولا يطلق عليهما ترادف حقيقي بهذا الاعتبار، إن كان ما اختصت به إحداهما داخلًا تحت مدلول اللفظ وضعًا.

الخامسة: اختلف في معنى (السلام)؛ فقيل: التعوذ باسم الله تعالى كما تقول: الله مع محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ أي متوليه وكافيه، وقيل: معناه السلامة والنجاة، كما في {فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة: ٩١] وستأتي زيادة على ذلك في كتاب الصلاة، وبالله التوفيق.


(١) أخرجه البخاري: ٥/ ٢٢٣٨، في باب رحمة الناس والبهائم، من كتاب الأدب، برقم: ٥٦٦٤، ولفظه: عن أبي هريرة قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا صلاة وقمنا معه فقال أعرابي وهو في الصلاة: اللَّهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا؛ فلما سلم النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للأعرابي: "لقد حجرت واسعًا" يريد رحمة الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>