فهَؤُلاءِ المُنافِقون ليس لدَيْهم رغبةٌ حقيقيةٌ في القِتال الذي يَرجُون به إِحْدى الحُسْنيَيْن، إمَّا الشهادة وإمَّا الظَّفر والسَّعادة، لكنهم إنما يُقاتِلون رِياءً وخَوْفًا من التَّعيير فقَطْ لا للَّه تعالى، وإن كانت هذه نِيَّته فإنه لن يُقاتِل القِتال الذي يَنبَغي أن يَكون، سيَكون فاتِرًا، بخِلاف الإنسان صاحِب النِّيَّة الخالِصة للَّه عَزَّ وَجَلَّ، فسيَكون لدَيْه دافِع قوِيٌّ يَحْدُوه إلى العَمَل بما يَرَى أنه من طاعة اللَّه سُبَحَانَهُ وَتَعَالَى.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: قُوَّة جُبن هؤلاءِ المُنافِقين، حيث يَظُنُّون أن العَدوَّ باقٍ وهو قد ذهَب؛ ولهذا شاهِدٌ، فلو أن رجُلًا جَبانًا رأى أسَدًا في مَغارة وذهَبَ الأسَد من هذه المَغارة وأُخرِج فقلتَ لهذا الرَّجُل الجبانِ: نَمشِي من عند المَغارة هذه؟ ستقول: لا، ففيها أسَد؛ لأنه جَبان، فالجبان يَظُنُّ أن عَدوَّه لم يَبرَح مكانه، ويَخشَى حتى من ظِلِّه.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن هَؤلاء المُنافِقين لو عاد الأحزاب مرَّةً أُخرى لودُّوا أنهم في الأعراب، لا في المدُن؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ في الْأَعْرَابِ} مع أن عَيْش المُدُن أحسَنُ، لكن لجُبْنهم يَتمَنَّوْن أن يَذهَبوا للأعراب في البادِيَة، ولا يَحضُرون هؤلاء الأَحْزابِ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن هؤلاءِ المُنافِقين لا يُريدون أن يُشارِكوا المُؤمِنين في مَعارِكهم؛ لقوله تعالى:{يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ} فهُمْ يُحِبُّون أن يَكونوا بعيدين عن المَعارِك، ولا يَتحَسَّسون إلَّا الأخبارَ فقَطْ.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن المُنافِق لو شارَك المُؤمِنين في القِتال، فإنه لن يُقاتِل إلَّا قليلًا، قال تعالى:{وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا}.