للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأمَّا عِزَّة القَهْر التي من الغَلَبة: فمَعناها أنه غالِب على كل شيء حتى بالجاهِلية، يَقول الشاعِر:

أَيْنَ المَفَرُّ وَالْإِلَهُ الطَّالِبُ ... وَالْأَشْرَمُ المَغْلُوبُ لَيْسَ الْغَالِبُ (١)

واللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هو الغالِب على أَمْره وهو غالِب على كل شيء، لا شيءَ يَكون أمام غلَبَته.

فصار العزيزُ له ثلاثة مَعانٍ: عِزَّة القَدْر وعِزَّة القَهْر، وعِزَّة الامتِناع، وكلها ثابِتةٌ للَّه عَزَّ وَجَلَّ.

من فوائد الآية الكريمة:

الْفَائِدَةُ الأُولَى: بَيان قُدْرة اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حيث رَدَّ هذه الأحزابَ الكثيرة العَظيمة مع ما في قُلوبهم من الغَيْظ والحنَق الشديد على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه ردَّهم اللَّه سُبَحَانَهُ وَتَعَالَى بغَيْظهم ما اشتَفَوْا, ولا نالوا مُرَادهم قال اللَّه تعالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ}؛ ولهذا أَثْنى النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على ربِّه بهَزيمة الأحزاب، فقال: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ" (٢).

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن هؤلاءِ الأحزابَ قدِ امتَلَأت قلوبُهم غَيْظًا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في قوله تعالى: {بِغَيْظِهِمْ}، فإن الباء للمُصاحَبة وللمُلابَسة.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن الأحزاب لم يَنالوا مع هذا التَّعَبِ الشديد خيرًا لا في الدُّنيا


(١) نسبه ابن هشام في السيرة (١/ ٥٣) لنفيل بن حبيب.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب العمرة، باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو، رقم (١٧٩٧)، ومسلم: كتاب الحج، باب ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره، رقم (١٣٤٤)، من حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-.

<<  <   >  >>