مَنْ يَقول في قوله تعالى:{وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ}[النساء: ٢٣] يَقول: إن قوله تعالى: {الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} إنها قَيْد يُحتَرَز به عن ابنِ التَّبنِّي؛ لأننا نَقول: ابن التَّبنِّي لا يَدخُل في الابن أَصْلًا. فلا يَذهَب إليه وَهْم حتى نَقول: إنه يَحتاج إلى قَيْد يُحتَرَز به عنه.
المُهِمُّ أن الأدعِياء ما جعَلَهم اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أبناءً لا شرْعًا ولا قدَرًا، وكانوا في الجاهِلية يَدعون الإنسان لغير أبيه يَكون هذا الرجُل شريفًا وذا نسَب، وهذا الدَّعِيُّ وَضِيعًا نسَبه عند الناس، ليس بذاك الشيءِ، أو ليس له نسَبٌ معلومٌ فيُدعَى إلى هذا الأبِ؛ من أَجْل رِفْعته فأَبطَل اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذلك؛ لأن دعوة الإنسان إلى غير أبيه يَترَتَّب عليها أمور.
كلُّ ما يَترَتَّب على النسَب من تَحريم وتحليل وإِرْث ونفَقات وغيرها، كلها ربَّما تَنتَقِل إلى هذا الدَّعِيِّ؛ بسبَب أنه دُعِيَ إلى هذا الرجُلِ؛ فلذلك مَنَع اللَّه تعالى ذلك شَرْعًا؛ لأن تَسميةَ الشيءِ بشيءٍ أو باسْمٍ بعيدٍ عن حقيقته هذا يُوجِب أن تَنقَلِب الأَوْضاع؛ حتى إن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"لَا تَغْلِبَنَكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَى تَسْمِيَتِكُمْ عَلَى صَلَاِتكُمُ العِشَاءِ، يَدْعُونَهَا العَتَمَةَ، وَهِي تُعْتِمُ بِإِبِلِهَا، وَإِنَّما هِيَ فِي كِتَابِ اللَّهِ: الْعِشَاءُ"(١)؛ فكلُّ الأَشْياء التي ربما إذا سُمِّيت باسمٍ آخَرَ ربَّما تَختَلِف أحكامُها، فإن الشَّرْع نهَى عنها.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{أَبْنَاءَكُمْ} حقيقةً] تَفسير لأبناءٍ يَعنِي: ما جعَلَهم أبناءً على وجه الحقيقة [{ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} أي: اليَهود والمُنافِقِين] {ذَلِكُمْ}،
(١) أخرجه مسلم: كتاب المساجد، باب وقت العشاء وتأخيرها، رقم (٦٤٤)، من حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-.