أمَّا في الاصطِلاح أو في الشَّرْع فطَلاق المَرأة مَعناه: حَلُّ قَيْد النِّكاح أو بعضِه، فإن كان الطلاق بائِنًا لا تَحِلُّ به الزوجة، فهو حَلٌّ لقَيْد النِّكاح مُطلَقًا، وإن كان رَجعِيًّا فهو حلٌّ لبَعْضه، إذ إنه يَجُوز له أن يُراجِع.
وقوله تعالى:{ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} أي: مِن قَبْل أن تِجَامِعوهن، وهذا من باب الكِناية عمَّا يُسْتَقْبَح ذِكْره بما يَدُلُّ عليه؛ ولهذا لم يَأتِ الجِماع بلَفْظٍ صريح في القُرآن الكَريم، وإنما كُنِّيَ عنه في كل مَوضِع بما يَتَناسَب والمَقامَ، فمَرَّةً يُعَبَّر عنه بالإِتْيان، ومرَّةً بالإِفْضاء، ومرَّةً بالمَسِّ، ومرَّة بالمُلامَسة، وما أَشبَه ذلك، كل هذا من باب استِعْمال ما لا تَمُجُّه الأَسْماع من الكلِمات.
وقوله تعالى:{مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [وَفي قِراءَةٍ: "تُمَاسُّوهُنَّ" أي: تُجامِعوهُنَّ] يَقول تعالى: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} فما لَكُم: (ما) هذه نافِية، و {لَكُمْ} جارٌّ ومجَرور خبَرٌ مُقدَّم و {مِنْ} حَرْفُ جرٍّ زائِدٌ لمَعنًى زائِدٍ، وقد قُلنا: إنه حَرْفٌ زائدٌ زائِدٌ. وكلِمة (زائِدٌ) الثانية تَأسيس لا تَوكِيد، فهو حَرْفُ جرٍّ زائِدٌ لفظًا، لكنه يَزيد المَعنَى، (زائِد) الأُولى من (زادَ) اللازِم، و (زائِدٌ) الثانية من (زادَ) المُتعَدِّي، فإذا قُلت: زاد إيمان الرجُلِ. هذا لازِم، وإذا قُلت: زادَهُم إيمانًا. هذا مُتَعدٍّ، فنَقول: هذا حَرْفُ جَرٍّ (زائِدٌ) من (زادَ) اللازِمة، أو:(زائِدٌ) من (زادَ) المُتعَدِّي، يَعنِي: زائِدٌ بنَفْسه، زائِدٌ مَعنًى في غيره.
المُهِمُّ: أن قوله تعالى: {مِنْ عِدَّةٍ}: {مِنْ} حَرْفُ جَرٍّ زائِدٌ لفظًا لا مَعْنًى.