للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شاةً فأكَلَ منها (١) ولم يَسأَل، ودعاه يَهودِيٌّ إلى طعام فأَكَل مِنه (٢) ولم يَسأَلْ، ثُمَّ إنك إذا سَأَلْت أَخجَلْت صاحِبك، رجُل أَكرَمك بالضِّيافة تَقول له: من أين هذا؟ هل من المَشروع أو من المُستَوْرَد؟ وإذا فتَحْنا هذا البابَ نَقول: أصل هذا الطَّعام من أين جاءَك؟ فيُمكِن أنه غاصِبُه أو سارِقه! وإذا انتَفَى هذا فيُمكِن أن هذا الرجُلَ له كَسْب حَرام، فلا نَدرِي عنه! فنَقول له: من أين جاءَكَ؟ يَقول: هذا شَرَيْته من السُّوق. نَقول له: هاتِ شُهودًا أنك شارِيه؟ فهذه مُشكِلة! إذا فتَحْنا هذا البابَ انفَتَح علينا أبوابٌ كثيرة؛ ولهذا كانت من حِكْمة الشَّرْع أن الإنسان لا يُشرَع له السُّؤال أبَدًا مهما كان، حتى لو كان الذي قَدَّم لك الطعام يَهوديًّا أو نَصرانيًّا فلا تَسأَلْه عن الطعام؛ لأن هذا من التَّعنُّت والتَّعمُّق، وفيه إِشقاق على صاحِبك وإِشقاق على نَفْسك؛ لأنك إذا عَوَّدت نَفْسك أنك لا تَأكُل إلَّا بعد البَحْث فمَعناه: كل شيء تَأكُله تَكون شاكًّا فيه، والحَمْدُ للَّه تعالى على السلامة.

فإن قال قائِل: ألَا يُسْأَل عن لَحْم البَعير؟

فالجَوابُ: أبَدًا، ولا يُسأَل عن لَحْم البَعير؛ أوَّلًا لأن لَحْم البَعير في الغالِب أنه معروف، إلَّا إذا كان (حاشي صغير) (٣)، والإنسان هذا ما تَمَرَّن في أَكْل اللَّحْم مُمكِن يَشْتَبِه عليه.

فإن كان الشَّخْص مَريضًا فربما يَسأَل لأجل دَفْع الضَّرَر، وليس لأَجْل التَّعمُّق،


(١) أخرجه البخاري: كتاب الهبة، باب قبول الهدية من المشركين، رقم (٢٦١٧)، ومسلم: كتاب السلام، باب السم، رقم (٢١٩٠)، من حديث أنس -رضي اللَّه عنه-.
(٢) أخرجه الإمام أحمد (٣/ ٢١١)، من حديث أنس -رضي اللَّه عنه-.
(٣) هو الجمل صغير السن.

<<  <   >  >>