للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وشَرْط فالجَواب للسابِق منها، كما قال ابنُ مالك رَحِمَهُ اللَّهُ:

وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ ... جَوَابَ مَا أَخَّرْتَ فَهْوَ مُلْتَزَمْ (١)

وقال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{لَنُغْرِيَنَّكَ} لنُسلِّطَنَّك عليهم]، وهذا التَّفسيرُ تَفسير باللازِم؛ لأن الإِغراءَ مَعناه: الحَثُّ بإزعاج على أن يُنكِّل بهم، ومنه إَغْراء الإنسان بالعَدُوِّ، بمَعنى أنه يَحُثَّ عليه بإزعاج ليُوقِع به ويَقتُله أو يَهزِمه وما أَشبَهَ ذلك.

قال تعالى: {ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (٦٠) مَلْعُونِينَ}، قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ} يُساكِنونك {فِيهَا} يَعنِي: في المدينة {إِلَّا قَلِيلًا} ثُمَّ يَخرُجون {مَلْعُونِينَ} مُبْعَدين من الرَّحْمة اللَّه]، يَعنِي: نُغرِيَنَّك بهم بالتَّسلُّط عليهم؛ إمَّا بالتَّعزير أو بالتَّأديب أو بالقَتْل أو بغَيْر ذلك، فإذا ضاقَت عليهمُ المَدينة خرَجوا؛ ولهذا قال تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ} ولم يَقُل: فلا يُجاوِرُنَّك؛ وذلك لتَأخُّر انتِفاء المُجاوَرة عن الإغراءِ؛ لأن اللَّه تعالى يُغريهم بهم فيَحصُل لهم من التعذيب والتَّعزير والإهانة ما لا يَتَمكَّنون معه من البَقاء في المَدينة؛ ولهذا جاءَتْ بـ (ثُمَّ)، وقوله تعالى: {ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا} يُحتَمَل أن المَعنَى: إلَّا قليلًا من الزمَن أو إلَّا قليلًا منهم.

وعلى كِلا الاحتِمالين فإن قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَلْعُونِينَ} حال من الفاعِل في {يُجَاوِرُونَكَ}، وعلى تَقدير المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ هي حال من فاعِل حُذِف مع عامِله؛ حيث قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [ثُمَّ يَخرُجون {مَلْعُونِينَ}]، ولكن الأقرَب أن لا نُقدِّر، بل المَعنَى: {ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا} في حال كونهم مَلعونين حال المُجاورة،


(١) الألفية (ص: ٥٩).

<<  <   >  >>