للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالمُوحَّدة أي: عَظيمًا] ففيها قِراءَتان: "والْعَنْهُمْ لَعْنًا كَثِيرًا" وهذا باعتِبار الكِمِّية، و {لَعْنًا كَبِيرًا} باعتِبار الكَيْفية أي: عظيمًا.

فإن قِيل: كيف يَكون فيها قِراءَتان والقول واحِد صادِر من هؤلاء؛ فهُمْ إمَّا أن يَكونوا قالوا: كبيرًا. وإمَّا أن يَكونوا قالوا: كثيرًا. واللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَحكِي عنهم؟

بمَعنَى: أن اللَّه يَحكِي عن هَؤُلاء الكُفَّار أنَّهم يَقولون: {وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} وعَلى القِراءة الثانية: "كَثيرًا" فكَيْف يَحكِي قَوْلين عن قائِل واحِد، يَعنِي: هم إمَّا قالوا: (كبيرًا) أو قالوا: (كثيرًا)؟

فالجَواب: على أحَد وَجْهين: إمَّا أن بعضهم يَقول: كثيرًا. والآخَرُ يَقول: كبيرًا. وإمَّا أنهم يَقولون أحيانًا: {كَبِيرًا}، وأَحيانًا: "كثيرًا"؛ ولا يُحتَمَل أن الواحِد منهم يَجمَع بينهما في كلِمة واحِدة بمَعنَى: أن يَقول: والْعَنْهم لَعْنًا كبيرًا كثيرًا؛ لأنه ما حكَى هذا، بل الكَلِمة واحِدة، إمَّا (كبيرًا) وإمَّا (كثيرًا).

ولهذا لا نَجمَع بين الكلِمتَيْن، لا في الآية هذه، ولا في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- حين علَّم أبا بَكْر -رضي اللَّه عنه-: "اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كثيرًا" (١) وفي لفظ: "كبيرًا" (٢)، فلا نَجمَع بينهما ونَقول: اللَّهُمَّ إني ظلَمْت نَفْسي ظُلْمًا كثيرًا كبيرًا. بل نَقول أحَدَ اللَّفْظَيْن؛ لأن السُّنَّة لم تَرِد بالجَمْع بينهما، وكذلك هنا في القُرآن لا يَجوز لأحَدٍ أن يَقول: والْعَنْهُم لعنًا كثيرًا كبيرًا، هذا حرام؛ لأنه إذا قال ذلك فقَدْ زاد في القُرآن، فنَقول إمَّا هذا وإمَّا هذا.

وقوله تعالى: {ضِعْفَيْنِ} يُقال ضِعْف. ويُقال: ضِعْفَيْن، بمَعنًى واحِدٍ.


(١) أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، رقم (٨٣٤)، ومسلم: كتاب الذكر، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، رقم (٢٧٠٥)، من حديث أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه-.
(٢) أخرجه مسلم: كتاب الذكر، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، رقم (٢٧٠٥/ ٤٨).

<<  <   >  >>