رفيعة، وقد وصَفَ اللَّه تعالى غيره من الأنبياء بالوَجَاهة، مثل عِيسى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فقال تعالى: {وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا} [آل عمران: ٤٥ - ٤٦]، لكن إذا كان مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَجيهًا عند اللَّه تعالى وعيسى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فمُحمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَعظَمُ جاهًا منه؛ لأنه أفضَلُ الرُّسُل.
ولكن لا يَلزَم من الجاه أن يَتَوسَّل الإنسان بجاه النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى اللَّه تعالى؛ لأن جاه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قَدْر ومَنْزِلة خاصَّة بالنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلا تَنتَفِع بجاهِهِ؛ لأن مجُرَّد وَجاهة النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عند اللَّه تعالى لا تَنفَعُ أحَدًا من الناس؛ ولهذا القولُ الراجِحُ من أقوال أهل العِلْم رَحِمَهُم اللَّهُ:"أن التَّوسُّل بجاه النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- محُرَّمٌ".
فإن قال قائِل: هل قِراءة: "وكانَ عَبْدَ اللَّه وَجْيهًا" شاذَّةٌ؟ وإنِ احتَجُّوا بها على نَفي العِنْدية، فماذا يُقال لهم؟ وكيف نَرُدُّ على نَفي العِنْدية والقُرْب من اللَّه عَزَّ وَجَلَّ؟
فالجَوابُ: هذه قِراءة شاذَّةٌ، ويُقال لهم: هذه شاذَّةٌ. أمَّا قوله تعالى:{وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا}، مُتواتِرة تَلقَّاها المُسلِمون من رَسولنا -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يَوْمنا، وأمَّا تِلْك فشاذَّةٌ؛ وهؤلاءِ نَرُدُّ عليهم بالآيات الكثيرة وبالأَحاديث أيضًا، وهو إثبات القُرْب للَّه عَزَّ وَجَلَّ، ولكنه لا يَلزَم من القُرْب الحُلول، يَعنِي:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}[البقرة: ١٨٦]، لا يَلزَم من ذلك أن يَكون قريبًا عِنْدك في مَكانك، لكنه قريب وإن كان عاليًا، يَعنِي: اللَّه تعالى ليس كمِثْله شيء.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} ذا جاه، وممَّا أُوذِيَ به نَبيُّنا -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قَسَم قِسْمًا فقال رجُل: هذه قِسْمة ما أُريد بها وجْهُ اللَّه] أَعوذُ باللَّهِ! وهذا من أعظَمِ ما يَكون من السَّبِّ، لكنْ سبُّ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- محَقٌّ له، إذا عفا عنه وأَسقَطه فله الحقُّ، ولا أحَدَ يَتَّهِم الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بأنه ما أَراد بها وجهَ اللَّه تعالى، وإن قاله بعض