فالمنافِقون لهُم رَوَغان عن الحقائِق، ولذَلك كان مِن صِفاتِهم أنَّهم إذا حدَّثوا كذبوا، وأَكْذب حديثٍ أنَّهم يقولُون: نَشهد أنْ لا إله إلا اللَّه وأنَّ محمدًا رسول اللَّه وهم كاذِبون في هذا فلا يُؤمِنون به، وإذا عاهَدوا غَدَروا، فلا يُوفون بالعَهد؛ لأنَّه ليسَ عندهم إيمان يَحملهم على الوفَاء بالعَهد، وإذا خاصَموا فجَروا؛ فجَحدُوا ما يَجب عليهم وادَّعوا ما ليسَ لهُم، وإذا اؤتمنُوا خانُوا.
فهَذه علاماتُ النِّفاق، فاحذَر أنْ تتَّصفَ بواحدةٍ مِنها؛ لأنَّ نبيَّنا محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- حذَّرنا مِنها؛ والآنَ لو نَظرت فِي واقِع المُسلمين اليومَ لوجَدت كثيرًا مِنهم إذَا حدَّث كذَب، وإذا وعَد أَخْلف، وإذا خاصَم فجَر، وإذا اؤتمِن خانَ.
إنَّ كثيرًا مِنَ المسلمين وليسَ أكثرُهم، فالحمدُ للَّه أكثرُهم مُستقيم، لكن فِيهم مَن إذا حدَّثك كذَبك، وإذا وعَدك أخلَفك، وإذا عاهدَك غدَر بك، وإذا خاصَمك فجَر بك، ومَا أكثرَ الذين يتُون إلينا يَشكون مِن كُفلائهم! أتَى به عَلى عَقد مَعلوم فِيما بينهم ثُم لا يَفِي بالعَهد ولا يَفِي بالعقد، يُماطل بالأُجرة وربما يُنكرها، ويُؤذي العامِل ويحمِّله ما ليس واجبًا عليه.
وهناك أيضًا مَن إذا اؤتمن خان، وما أكثرهم! إذا اؤتمِنوا خانُوا، وما أكثرَ الخِيانة في كثيرٍ مِن الناس! ومن ذلك -مثلًا- أن يَعرض الإنسانُ سِلعته فيأتِيه الزَّبون ليَشتري فيقول: كم قِيمة هذه؟ فتقول: ألف ريالٍ، وقيمتُها في الحَقيقة خَمس مئة، لكن استغل فُرصة جهل هذا المشترِي بالثَّمن وقال: بألفِ ريال، فهَذا جَمَع بَين الكذِب والخِيانة والغَدر، ثلاثُ صفاتٍ من صفاتِ المنافِقين، ومَا يَدري أنَّ ما ترتَّب على هذا الكذِب مِن كَسب مادِيٍّ فهو حرام، ويُوشك من أَكل الحرام ألَّا تُستجاب دَعوتُه؛ لأنَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكَر الرجُل يُطِيل السَّفَر أشْعَث أَغْبر، يَمُد يَدَيْه إلى السَّماء: يا ربِّ يا ربِّ، ومَطعمه حرَام، ومَلبسُه حَرام، وغُذِي بالحَرام، فأنى يُستجاب لذلك؟ ! .