ومن الخِيانة في الأمانةِ: مَا يَفعلُه كثيرٌ مِن أَولياءِ النِّساء في التَّزويج، فتَجده يَخطب منه الرجلُ الصالحُ المستقيمُ في دِينه وخُلُقه، ولكِنْ إذا عرَف أنَّه لن يُعطيه مالًا ردَّه، وقال: البِنت صَغيرة، البِنت مَخطُوبة لغَيرك، وما أَشْبه ذلك، ثم يزوجها ابن عمها الذي ليس عنده خُلق ولا دِين، أو يُزوجها مَن ليس ابنَ عمِّها ولكنْ أكثرَ الدراهمَ لأبيها، وهذه واللَّه خِيانة، وستُطالبه البِنت يوم القيامة، وحينئذٍ يفِر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبَنيه؛ فلماذا تَحجُب المرأةَ عن خاطبها الكُفْء مِن أجْل مَصْلحتك الخاصَّة؟ أليسَ هذا مِن الخيانة؟ ! أليسَ هذا مِن الظلم؟ ! سبحان اللَّه! لو أنَّك أنْت -أيُّها الأبُ- خَطَبت امرأةً ثم مُنعت منها لاستكْبرت هذا الشيء وعدَدْته ظلمًا وجورًا.
والعجَب: أنَّ هؤلاء يَظلمون أقربَ النَّاس إليهِم وهُنَّ بناتُهم اللاتِي هنَّ بَضعةٌ من الأبِ -قِطعة وجُزء مِنه-، ومع ذلك يَظلمها هذا الظُّلم، فيحَجُرُها لابنِ عمِّها، أو يقول: لا تتزوَّجي رَجلًا مِن غَير القَبِيلة، أو ما أشبه هذا! هذا مِن المُنكر، وللقُضاة أن يتدخَّلوا في هذا الموضوع، بمَعنى: أن المرأةَ إذا خَطبها كُفءٌ لها وأبَى أبوها فلَها أن ترَفع الأَمر إلى القاضي ويقول لأبِيها: زوِّجها وإلَّا زوجتُها أنا أو مَن يليك في الوِلاية مِن عَصَبتها.