لأن الكَتْب يُطلق بمَعْنى الفَرْض، كما في قوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}[البقرة: ١٨٣]، {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[النساء: ١٠٣]، يُحتَمَل هذا وهذا.
ولكن الأقرَب أنَّ {فِي كِتَابِ اللَّهِ} أَيْ: في مَكتوبه، أي: فيما كتَبه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، ونَقول: إن كان المُراد بكِتاب اللَّه تعالى اللوحَ المَحفوظَ فالأَمْر ظَاهِر؛ لأن اللَّه تعالى كتَب فِي اللَّوْح المَحفوظ مَقاديرَ كلِّ شيءٍ، وإن كان المُرَاد بكِتاب اللَّه هذا القُرآنَ، فإنه مَكتوبٌ بأَيْدي الملائِكة ومَكتوب بأَيْدي المُؤمِنين من بني آدَمَ.
قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{إِلَّا} يَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{لكنْ {إِلَّا}] تَقدير (إلَّا) بـ (لكِن)؛ لأن الاستِثْناء هنا مُنقَطِع، وإذا كان الاستِثْناء مُنقَطِعًا فإنه تُقدَّر (إلَّا) بـ (لكِن)، والانقِطاع كما يَكون في الذوات يَكون في المَعاني أيضًا، فقول النَّحوِيِّين: جاء القَوْمُ إلَّا حِمارًا. هذا استِثْناء مُنقَطِع باعتِبار الذوات، القوم يَعنِي: ذواتَهم إلَّا حِمارًا، ومثل هذه الآيةِ:{إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا} استِثناء مُنقَطِع بالمعاني، فالاستِثْنَاء المُنقَطِع يَكون في المَعاني، ويَكون أيضًا في الذوات: {وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} هذا مُتَّصِل؛ لأن {الَّذِينَ آمَنُوا} من {الْإِنْسَانَ} لكن {إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ} هذا لا يَدخُل في قوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ}؛ لأن أَوْلياءَنا هؤلاء ليسوا من ذَوي الأرحام، بل بيننا وبينهم مُوالاة، ولهذا قال تعالى:{إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} بوَصية فجائِز.
قوله تعالى:{إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ} جَمْع وَليٍّ، والمُراد بالوَليِّ هنا مَن كان بينك وبينه مُوالاة ومُناصَرة كالذي حصَل بين المُهاجِرين والأَنْصار في أوَّل الهِجرة، فإذا كان بينك وبينه مَعروف، تَفعَل فيه مَعروفًا فإن هذا جائِز.