وكل مِنهما يُسأَل، فالصواب أنَّه {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} في تَبليغ الرِّسالة بالنِّسبة للأنبياء، وفي قَبول ذلك بالنِّسبة للمَدعوِّين.
قال:[تَبكيتًا للكافِرين بهم](تَبكيتًا) هذا تَعليل لسُؤال الأنبياء عليهم السَّلَامُ، يَعنِي: يَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: إنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَسأَل الأنبياء عليهم السَّلَامُ، لا لأنه يُمكِن ألَّا يَقوموا بالواجِب، ولكن تَبكيتًا للكافِرين بهم، يَعنِي: تَقريعًا ولَوْمًا للكافِرين بهم، فإنه إذا سَأَل الرُّسُلَ: هل بلَّغْتُمُ الرِّسالة؟ -أمام المَدعُوِّين- سيَقولون: نعَمْ، فيَكون في هذا تَبكيتٌ لِهَولاء الكافِرين.
وسُؤال الغَيْر لتَبكيت غيره جاء به القُرآن كما في قوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} المَوْءودة هي الطِّفلة، أو بعِبارة أعَمَّ هي الأُنثَى التي تُوأَدُ، وكان من طريق بعض الكُفَّار أنهم يَئِدون البناتِ يَدفِنونَهن وهُنَّ حيَّاتٍ، خوفًا من أن يُعيَّر، يُقال: هذا الرجُلُ ما عنده إلَّا بِنْت، أو هذا الرجُلُ وُلدَ له بِنْت؛ ولهذا إذا بُشِّر {بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ} يَستَتِر، يَخاف أن يُعيَّر {يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ} أَعوذ باللَّهِ تعالى، ثُم يَقول في نَفْسه:{أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} ما يَعدو هذا، ما يُمكِن أن يُمسِكه على عِزٍّ وكَرامة أَبَدًا.
إِذَنْ: على رأي المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ يَكون المُرادُ بسُؤال النَّبيِّين عن تَبليغ الرِّسالة تَبكيت هؤلاء الكافِرين بهم وتَقريعهم.
قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَأَعَدَّ} تعالى {لِلْكَافِرِينَ} للكافِرين بهم {عَذَابًا أَلِيْمًا} مُؤلِمًا].
قوله عَزَّ وَجَلَّ:{لِيَسْأَلَ}، {وَأَعَدَّ} قد يَقول قائِل: بين المَعطوف والمعطوف عليه تَنافُر؛ لأنه لو كان بينهما ائتِلاف، لكانت العِبارة: ليَسأَل الصادِقين عن صِدْقهم