للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَلَاهَا الصَّيْقَلُونَ فَأخْلَصوهَا ... خِفَافاً كُلُّهَا يَتَّقِي بِأَثْرِ

أي: كلها يستقبلك بفرنده (١).

ومنه قول أوس بن حجر (٢):

تَقَاكَ بِكَعْب وَاحِدٍ وَتَلَذُّهُ ... يَدَاكَ إذَا مَا هُزَّ بالكَفِّ يَعْسِلُ

أي اتقاك، ومعناه: جعل بينك وبينه كعبا واحدا، يصف رمحا، يقول: كأنه كعب واحد، إذا هززته اهتز كله (٣).

ومنه قول البراء: " كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، يعني النبي صلى الله عليه وسلم" (٤).

قال الواحدي: " الاتقاء في اللغة: الحجز بين الشيئين، يقال: اتقاه بترسه، أي: جعل الترس حاجزا بينه وبينه، واتقاه بحقه، إذا وفاه، فجعل الإعطاء وقاية بينه وبين خصمه عن نيله إياه بيده أو لسانه، ومنه (التقية في الدين) بجعل ما يظهره حاجزا بينه وبين ما يخشاه من المكروه" (٥).

وسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أُبيا عن التقوى، فقال: "هل أخذت طريقا ذا شوك؟ قال: نعم: قال فما عملت فيه؟ قال: تشمرت وحذرت، قال: فذاك التقوى" (٦).

وأخذ هذا المعنى ابن المعتز فنظمه (٧):

خل الذنوب صغيرها ... وكبيرها ذاك التقى

واصنع كماش فوق أر ... ض الشوك يحذر ما يرى

لا تحقرن صغيرة ... إن الجبال من الحصى

و(التقوى) في اصطلاح الشرع هو: "اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره، واجتناب نواهيه" (٨)، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "التقي مُلْجَم والمتقي فوق المؤمن والطائع" (٩).

قال الراغب: الوقاية: هي حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره، وهي بهذا المعنى مصدر مثل الوِقَاء، وعلى ذلك قوله عز وجل: " ووقاهم عذاب السعير"، والتقوى: جعل النفس في وقاية مما يخاف، هذا تحقيقه، ثم يسمى الخوف تارة تقوى، والتقوى خوفاً، حسب تسمية مقتضى الشيء بمقتضيه، والمقتضي للشيء بمقتضاه" (١٠).

وقيل: التقوى في الطاعة، يراد بها الإخلاص، وفي المعصية يراد به الترك والحذر، وقيل: هي الإحتراز بطاعة الله عن عقوبته، وصيانة النفس عما تستحق به العقوبة من فعل أو ترك. وقيل: هي المحافظة على آداب الشريعة ومجانبة كل ما يبعد المرء عن الله تعالى، وقيل: ترك حظوظ النفس ومباينة الهوى (١١).


(١) أنظر: إصلاح المنطق: ٤، والتهذيب: (تقى) ١/ ٤٤٤، وتفسير البسيط للواحدي: ٢/ ٥٢.
(٢) ورد البيت في "إصلاح المنطق" ص ٢٤، "الخصائص" ٢/ ٢٨٦، "الصحاح" (عسل) ٥/ ١٧٦٥، (وقى) ٥/ ٢٥٢٧، "المحكم" ١/ ١٧٠، "اللسان" (عسل) ٥/ ٢٩٤٦، (وقى) ١٥/ ٤٠٣، (أساس البلاغة) (كعب) ٢/ ٣١٢، "الحجة" لأبي علي ٣/ ٢٨. والشاعر يصف رمحاً يقول: اتقاك برمح تلذه يداك: أي لا يثقلهما، إذا هز بالكف يعسل أي. يضطرب ويهتز.
(٣) أنظر: التفسير البسيط للواحدي: ٢/ ٥٢.
(٤) صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة حنين، ٣/ ١٤٠١، برقم ١٧٧٦. وقوله: "إذا احمر البأس": كناية عن شدة الحرب، واستعير ذلك؛ لحمرة الدماء الحاصلة فيها في العادة. انظر: شرح النووي ١٢/ ٣٦٤.
(٥) التفسير البسيط: ٢/ ٤٨، وانظر: "تهذيب اللغة" (تقي)، (وقى) ١/ ٤٤، "الصحاح" (وقى) ٦/ ٢٥٢٧، "اللسان" (وقى) ٨/ ٤٩٠٢، (لباب التفاسير) للكرماني ١/ ١١١، (رسالة دكتوراه).
(٦) تفسير الثعلبي: ١/ ١٤٢، وتفسير القرطبي: ١/ ١٦٢.
(٧) ديوان عبدالله بن المعتو، تحقيق: د, عمر فاروق، دار الأرقم، يروت، لنان: ص ٣٤.
يقول: لاتتقر صغيرا، لأن كل كبير يكون صغيرا، وقوله: إن الجبال من الحصى دليل صحة هذا المنطق، وهو منطق المعتزلة في عصره وفي هذا يقول الجاحظ"اعلم أن الجبل ليس أدل على الله من الحصاة .. وأن صغير- مايشتمل عليه عالمنا- ودقيقه، كعظميمه وجليله ولم تفترق الأمور في حقائقها وإنّما افترق المفكّرون فيها" (كتاب الحيوان: ١/ ٢٥٤)
(٨) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٢٨.
(٩) الفوائد: ٦٥ - ٦٦.
(١٠) مفردات الراغب بتصرف (ص: ٨٨١).
(١١) التعريفات للجرجاني (ج ١/ص ٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>