للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال المباركفوري -رحمه االله-: "المتقي: من يترك ما لا بأس به خوفًا مما فيه بأس" (١).

وقد يرد لفظ التقوى في القرآن الكريم على أوجه، منها:

١ - الخوف والخشية، كما في قوله تعالى: {ياأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم} [الحج: ١].

٢ - ومنها: العبادة، كما في قوله تعالى: {ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لاإله إلا أنا فاتقون} [النحل: ٢].

٣ - ومنها: ترك المعصية، كما في قوله تعالى: {وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون} [البقرة: ١٨٩]، أي لا تعصوه.

٤ - ومنها: التوحيد، كما في قوله تعالى: {أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى} [الحجرات: ٣]، أي للتوحيد.

٥ - ومنها: الإخلاص، كما في قوله سبحانه: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} [الحج: ٣٢].

وعند ابن القيم، للتقوى ثلاثة مراتب (٢):

إحداها: حميّة القلب والجوارح عن الآثام والمحرمات.

والثانية: حميّتها عن المكروهات.

والثالثة: الحمية عن الفضول وما لا يعني.

قال ابن القيم: "فالأولى تعطي العبد حياته، والثانية تفيده صحته وقوته، والثالثة تكسبه سروره وفرحه وبهجته" (٣).

ولا شك بأن التقوى من أوجب الواجبات وقد دل على ذلك نصوص كثيرة من القرآن الكريم والسنة الصحيحة وكلام السلف الصالح، قال القرطبي: "الأمر بالتقوى كان عاما لجميع الأمم" (٤).

قال ابن تيمية -رحمه الله-: "والتقوى واجبة على الخلق، وقد أمر االله بها ووصى بها في غير موضع، وذم من لا يتقي الله، ومن استغنى عن تقواه توعده" (٥).

كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بالتقوى، فعن أبي ذر-رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتَّقِ اللهَ حيثُ كنتَ " (٦)، فاجتمع الكتاب والسنة على إيجاب التقوى والأمر بها.

وذكر أبو إسحاق، بأن قوله تعالى {هُدًى}، موضعه النصب من وجهين (٧):

أحدهما: أن يكون منصوبا على الحال من قولك: القرآن ذلك الكتاب هدى، فيكون حالا من الكتاب، كأنك قلت: هاديا؛ لأن (هدى) جاء بعد تمام الكلام، والعامل فيه يكون معنى الإشارة في ذلك.

والثاني: أن يكون منصوبا على الحال من (الهاء) في قوله: {لَا رَيْبَ فِيهِ} كأنك قلت: لا شك فيه هاديا، والعامل فيه معنى ريب.

وقوله تعالى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} "يدغم الغنة عند (اللام) و (الراء) أبو جعفر وابن كثير وحمزة والكسائي، زاد حمزة والكسائي عند (الياء)، وزاد حمزة عند (الواو)، والآخرون لا يدغمونها ويخفي أبو جعفر (النون) والتنوين عند (الخاء) و (الغين) " (٨).

الفوائد:

١ من فوائد الآية: بيان علوّ القرآن؛ لقوله تعالى: {ذلك}؛ فالإشارة بالبعد تفيد علوّ مرتبته؛ وإذا كان القرآن عالي المكانة والمنزلة، فلا بد أن يعود ذلك على المتمسك به بالعلوّ والرفعة؛ لأن الله سبحانه وتعالى


(١) تحفة الأحوذي: ٦/ ٢٠١.
(٢) أنظر: الفوائد: ٤٥.
(٣) الفوائد: ٤٥.
(٤) تفسير القرطبي: ٥/ ٣٨٩.
(٥) شرح العمدة: ٣/ ٦٢٧.
(٦) رواه الترمذي: (١٩٨٧)، وقال: حسن صحيح.
(٧) أنظر: معاني القرآن: ١/ ٧٠، وإعراب القرآن، للنحاس ١/ ١٨٠، وإملاء ما من به الرحمن، للعكبري ١/ ١٦، ومشكل إعراب القرآن، المكي: ١/ ١٧.
(٨) تفسير البغوي: ١/ ٥٩ - ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>