للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: {ليظهره على الدين كله} [التوبة: ٣٣]؛ وكذلك ما وُصِف به القرآن من الكرم، والمدح، والعظمة فهو وصف أيضاً لمن تمسك به.

٢ ومنها: رفعة القرآن من جهة أنه قرآن مكتوب معتنٍ به؛ لقوله تعالى: {ذلك الكتاب}؛ وقد بيّنّا أنه مكتوب في ثلاثة مواضع: اللوح المحفوظ، والصحف التي بأيدي الملائكة، والمصاحف التي بأيدي الناس.

٣ ومن فوائد الآية: أن هذا القرآن نزل من عند الله يقيناً؛ لقوله تعالى: (لا ريب فيه)

٤ ومنها: أن المهتدي بهذا القرآن هم المتقون؛ فكل من كان أتقى لله كان أقوى اهتداءً بالقرآن الكريم؛ لأنه عُلِّق الهدى بوصف؛ والحكم إذا عُلق بوصف كانت قوة الحكم بحسب ذلك الوصف المعلَّق عليه؛ لأن الوصف عبارة عن علة؛ وكلما قويت العلة قوي المعلول.

٥ ومن فوائد الآية: فضيلة التقوى، وأنها من أسباب الاهتداء بالقرآن، والاهتداء بالقرآن يشمل الهداية العلمية، والهداية العملية؛ أي هداية الإرشاد، والتوفيق.

فإن قيل: ما الجمع بين قوله تعالى: {هدًى للمتقين}، وقوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدًى للناس وبينات من الهدى والفرقان}؟ (البقرة: ١٨٥).

فالجواب: أن الهدى نوعان: عام، وخاص؛ أما العام فهو الشامل لجميع الناس وهو هداية العلم، والإرشاد؛ ومثاله قوله تعالى عن القرآن: {هدًى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان} [البقرة: ١٨٥]، وقوله تعالى عن ثمود: {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} [فصلت: ١٧]؛ وأما الخاص فهو هداية التوفيق: أي أن يوفق الله المرء للعمل بما علم؛ مثاله: قوله تعالى {هدًى للمتقين}، وقوله تعالى: {قل هو للذين آمنوا هدًى وشفاء} [فصلت: ٤٤].

القرآن

قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)} [البقرة: ٣]

التفسير:

وهم الذين يُصَدِّقون بالغيب الذي لا تدركه حواسُّهم ولا عقولهم وحدها؛ لأنه لا يُعْرف إلا بوحي الله إلى رسله، مثل الإيمان بالملائكة، والجنة، والنار، وغير ذلك مما أخبر الله به أو أخبر به رسوله، وهم مع تصديقهم بالغيب يحافظون على أداء الصلاة في مواقيتها أداءً صحيحًا وَفْق ما شرع الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ومما أعطيناهم من المال يخرجون صدقة أموالهم الواجبة والمستحبة.

واختلف المفسرون، فِيمَنْ نزلت هاتان الآيتان فيه، على ثلاثة أقوال (١):

أحدها: أنها نزلت في مؤمني العرب دون غيرهم، لأنه قال بعد هذا {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ}، يعني به أهْلَ الكتاب، وهذا قول ابن عباس (٢)، وروي عن ابن مسعود (٣)، مثل ذلك.

والثاني: أنها مع الآيتين اللتين من بعد أربع آيات نزلت في مؤمني أهل الكتاب خاصة، لأنه ذكرهم في بعضها.

والثالث: أن الآيات الأربع من أول السورة، نزلت في جميع المؤمنين، وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: "نزلت أربع آيات من سورة البقرة في نعت المؤمنين، وآيتان في نعت الكافرين، وثَلاث عَشْرَةَ في المُنافقين" (٤). وروي عن الربيع (٥) مثل ذلك.

قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: ٣]، "أي يقرون بما غاب عنهم مما أخبر الله به عن نفسه، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وغير ذلك مما أخبر الله به من أمور الغيب" (٦).


(١) أنظر: أسباب النزول للواحدي: ٢١، والعجاب في بيان الأسباب: ١/ ٢٢٨، والنكت والعيون: ١/ ٧٠.
(٢) أنظر: تفسير الطبري (٢٧٧): ص ١/ ٢٣٨.
(٣) أنظر: تفسير الطبري (٢٧٣): ص ١/ ٢٣٦
(٤) أخرجه الطبري (٢٧٨)، و (٢٧٩)، و (٢٨٠)، : ص ١/ ٢٣٨ - ٢٣٩. وانظر: أسباب النزول للواحدي: ٢١، والعجاب في بيان الأسباب: ١/ ٢٢٨، والخبر إسناده منقطع لعدم سماع ابن أبي نجيح من مجاهد. [أنظر: تهذيب التهذيب: ٦/ ٥٤].
(٥) أنظر: تفسير الطبري (٢٨١): ص ١/ ٢٤٠.
(٦) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>