للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرطبي: أي: "معتدلٌ عندهم: الإنذار وتركه (١).

قال الصابوني: "أي يتساوى عندهم، فلا تطمع في إيمانهم، ولا تذهب نفسك تذهب نفسك عليهم حسرات، وفي هذا تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن تكذيب قوله له" (٢).

قال الطبري: "أيّ الأمرين كان منك إليهم [سواء]، الإنذار أم ترك الإنذار (٣)، ومن ذلك قول عبيد الله بن قيس الرُّقَيَّات (٤):

تُغِذُّ بيَ الشّهبَاءُ نَحْوَ ابن جَعْفٍر ... سَوَاءٌ عَلَيْهَا لَيْلُهَا ونَهَارُهَا

يعني بذلك: معتدلٌ عندها في السير الليلُ والنهارُ، لأنه لا فُتُورَ فيه. ومنه قول الآخر (٥):

وَلَيْلٍ يَقُولُ المَرْءُ مِنْ ظُلُمَاتِه ... سَوَاءٌ صَحِيحَاتُ العُيُونِ وَعُورُهَا

لأن الصحيح لا يبصر فيه إلا بصرًا ضعيفًا من ظُلْمته.

قال أبو حيان: " فإن قوله: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ} إشارة إلى أن السواء الذي أضيف إليهم وباله ونكاله عليهم ومستعل فوقهم، لأنه لو أراد بيان أن ذلك من وصفهم فحسب لقال: سواء عندهم، فلما قال: سواء عليهم، نبه على أنه مستعل عليهم" (٦).

واختلفت القراءة في قوله تعالى: {أَأَنذَرْتَهُمْ} [البقرة: ٦]، على وجوه (٧):

أحدها: قرأ الزهري، وابن محيصن: {أنذرتهم}، بهمزة واحدة، حذف الهمزة الأولى لدلالة المعنى عليها، ولأجل ثبوت ما عادلها وهو {أم}، وقرأ أبي أيضا بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى الميم.

والثاني: قرأ عاصم وحمزة والكسائي بهمزتين، وقرأ أهل الحجاز وأبو عمرو بالمد وتليين الهمزة الثانية.

والثالث: وقرأ ابن عامر بألف بين همزتين.

قال الثعلبي: " وهذه الآية خاصّة فيمن حقّت عليه كلمة العذاب في سابق علم الله، وظاهرها إنشاء ومعناها إخبار" (٨).

قال أبو العالية: " آيتان في قادة الأحزاب: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون}، قال: هم الذين ذكرهم الله في هذه الآية: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار} " (٩).

وعن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "قيل يا رسول الله إنا نقرأ من القرآن فنرجو، ونقرأ فنكاد أن نأيس. فقال: ألا أخبركم؟ ثم قال: إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون هؤلاء أهل النار. قالوا: لسنا منهم يا رسول الله؟ قال: أجل" (١٠).

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم حين يردُّه الكفار، ولا يَقبلون دعوته.

٢ - ومنها: أن من حقت عليه كلمة العذاب فإنه لا يؤمن مهما كان المنذِر والداعي؛ لأنه لا يستفيد. قد ختم الله على قلبه.، كما قال تعالى: {إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل آية حتى يروا


(١) ينظر: تفسير القرطبي: ١/ ١٨٤.
(٢) صفوة التفاسير: ١/ ٢٧.
(٣) ينظر: تفسير الطبري: ١/ ٢٥٥ - ٢٥٦.
(٤) ديوانه: ١٦٣، والكامل للمبرد ١: ٣٩٨، ٣٩٩. يمدح عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. أغذ السير وأغذ فيه: أسرع. ورواية ديوانه، والكامل " تقدت ". وتقدى به بعيره: أسرع على سنن الطريق. والشهباء: فرسه، للونها الأشهب، وهو أن يشق سوادها أو كمتتها شعرات بيض حتى تكاد تغلب السواد أو الكمتة.
(٥) البيت لمضرس بن ربعي الفقعسي. حماسة ابن الشجري: ٢٠٤.
(٦) البرح المحيط: ١/ ٣٤.
(٧) أنظر: السبعة في القراءات: ١٣٦ - ١٣٧، والحجة للقراء السبعة: ١/ ٢٢٤، والبحر المحيط: ١/ ٣١.
(٨) تفسير الثعلبي: ١/ ١٥٠.
(٩) أخرجه ابن أبي حاتم (٩٣): ص ١/ ٤٠.
(١٠) أخرجه ابن أبي حاتم (٩١): ص ١/ ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>