للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المضاف، كما تقول العرب: تكلم المجلس، وهم يريدون أهله، وحذف المضاف كثير في التنزيل والكلام (١)، وقيل: اكتفى من الجمع بالواحد (٢)، كما قال الراعي (٣):

بها جيف الحسرى فأما عظامها ... فبيض وأما جلدها فصليب

وقال الله تعالى: {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى: ٤٥]، وهو كثير جدًّا.

وقال سيبويه (٤): توحيد السمع يدل على الجمع، لأنه توسط جمعين، كقوله: {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة: ٢٥٧]، وقوله: {عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ} [النحل: ٤٨] " (٥).

وقوله تعالى {وَعَلى سَمْعِهِمْ} [البقرة: ٧]، فيه قراءتان (٦):

أحدهما: {وَعَلى سَمْعِهِمْ}، وهي قراءة الجمهور.

والثاني: {وعلى أسماعهم}، قرأ بها ابن أبي عبلة.

قوله تعالى: {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة: ٧]، أي: "وعلى أبصارهم غطاء، فلا يبصرون هدى" (٧).

قال الثعلبي: " أي غطاء وحجاب، فلا يرون الحق" (٨).

قال ابن عباس: " ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم والغشاوة على أبصارهم" (٩).

وقال السدي: "جعل على أبصارهم غشاوة، يقول: على أعينهم فهم لا يبصرون" (١٠).

قال ابن عثيمين: " أي: غطاء يحول بينها وبين النظر إلى الحق؛ ولو نظرت لم تنتفع" (١١).

روي "عن قتادة قال: "استحوذ عليهم الشيطان إذ أطاعوه، ف ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، فهم لا يبصرون هدى، ولا يسمعون ولا يفقهون، ولا يعقلون" (١٢).

قال أبو حيان: " شبه قلوبهم لتأبيها عن الحق، وأسماعهم لإضرابها عن سماع داعي الفلاح، وأبصارهم لامتناعها عن تلمح نور الهداية بالوعاء المختوم عليه المسدود منافذة المغشي بغشاء يمنع أن يصل إليه ما يصلحه، لما كانت مع صحتها وقوة إدراكها ممنوعة عن قبول الخير وسماعه وتلمح نوره" (١٣).

والأبصار جمع البصر، والبصر العين، إلا أنه مذكر، ويقال: تبصرت الشيء بمعنى رمقته (١٤)، ومنه قول زهير (١٥):

تبصر خليلي هل ترى من ظعائن ... تحملن بالعليا من فوق جرثم (١٦)


(١) لم أجده منسوبا لابن الأنباري. وورد بمعناه في "تفسير أبي الليث" ١/ ٩٣، والقرطبي ١/ ١٦٦، "تهذيب اللغة" (سمع) ٢/ ١٧٥٧.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٤٧، والثعلبي ١/ ٤٨ ب، و"تفسير أبي الليث" ١/ ٩٣، و"تهذيب اللغة" (سمع) ص ١٧٥٧.
(٣) كذا نسبه الثعلبي ١/ ٤٨ ب، والبيت لعلقمة بن عبدة الفحل كما في "الكتاب" وغيره.
قاله يصف طريقاً شاقًّا، قطعه لممدوحه. الحسرى: جمع حسير، والحسير: البعير المعيب يتركه أصحابه فيموت، وابيضت عظامه لما أكلت السباع والطير ما عليه من لحم، صليب: يابس لم يدبغ. الشاهد (جلدها) مفرد أريد به الجمع، أي: جلودها. انظر: "الكتاب" ١/ ٢٠٩، و"معاني القرآن" للزجاج ١/ ٤٧، "تفسير الثعلبي" ١/ ٤٨ ب، والقرطبي ١/ ١٦٥، "الخزانة" ٧/ ٥٥٩، وفيها: (به جيف الحسرى .. )، "الدر المصون" ١/ ١١٤، والرازي ٢/ ٥٣، وفيه: (الحيدى) بدل (الحسرى).
(٤) انظر. "الكتاب" ١/ ٢٠٩، والنص من الثعلبي ١/ ٤٨/ب.
(٥) أنظر: التفسير البسيط: ٢/ ١١٥ - ١١٦.
(٦) أنظر: المحرر الوجيز: ١/ ٨٨.
(٧) صفوة التفاسير: ١/ ٢٧.
(٨) تفسير الثعلبي: ١/ ١٥١.
(٩) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠٠): ص ١/ ٤٢.
(١٠) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠١): ص ١/ ٤٢.
(١١) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٣٧.
(١٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٩٨): ص ١/ ٤١.
(١٣) البحر المحيط: ١/ ٣٤.
(١٤) تهذيب اللغة" (بصر) ١/ ٣٤٠.
(١٥) ديوان زهير: ٩. والظعائن: جمع ظعينة، وهي المرأة في الهودج تحمل على الإبل، بالعلياء: الأرض المرتفعة، جرثم: ماء معين.
(١٦) أنظر: التفسير البسيط: ٢/ ١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>