للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروي " عن ابن عباس في قوله: {عذاب}، يقول: نكال" (١).

وعن مقاتل بن حيان، "قوله: {ولهم عذاب عظيم}، يعني عذاب وافر" (٢).

قال ابن عطية: " معناه بمخالفتك يا محمد وكفرهم بالله استوجبوا ذلك" (٣).

قال ابن عثيمين: " وعظمه الله تعالى؛ لأنه لا يوجد أشد من عذاب النار" (٤).

قال أبو حيان: " فإنه لو اقتصر على قوله عذاب ولم يقل عظيم لاحتمل القليل والكثير، فلما وصفه بالعظيم تمم المعنى وعلم أن العذاب الذي وعدوا به عظيم، إما في المقدار وإما في الإيلام والدوام" (٥).

قال ابن عباس: "ولهم بما هُمْ عليه من خلافك {عذابٌ عظيم}، قال: فهذا في الأحبار من يهود، فيما كذَّبوكِ به من الحق الذي جاءك من رّبك بعد معرفتهم" (٦).

قال الزجاج في هذه الآية: "إنهم كانوا يسمعون ويبصرون ويعقلون، ولكن لم يستعملوا هذه الحواس استعمالاً يجدي عليهم، فصاروا كمن لا يعقل ولا يسمع ولا يبصر" (٧).

قال الواحدي: "ومعنى العذاب الأليم: الذي يخلص وجعه إلى قلوبهم" (٨).

وأصل (العذاب) في كلام العرب: من العذب، وهو المنع؛ يقال: عَذَبتَه عَذْبًا أي منعتَه مَنْعَا، فعَذَبَ عُذوبًا أي امتنع، ومنه يقال للفرس إذا قام في المِعْلف ولم يتناول العلف وامتنع عنه: عَذُوبٌ وعَاذِبٌ، ومنه الماء العَذْب؛ لأنه يمنع العطش (٩)، فسمي العذاب عذابًا؛ لأنه يَعْذُبُ المعاقب عن معاودة ما عوقب عليه، ويعذب غيره من أرتكاب مثله (١٠).

وقوله تعالى: {أَلِيمٌ}: ، الأليم: بمعنى المؤلم (١١)، كالسميع: بمعنى المسمع، وقال ذو الرمة (١٢):

وترفع من صدور شَمَرْدَلاتٍ ... يصُكُّ وجوهَها وَهَجٌ أليمُ

وقال عمرو بن معد يكرب (١٣):

أَمِنْ ريحانة الدَّاعي السَّميع ... يُؤْرِقُني وأَصْحابي هَجوع

أي: المسمع (١٤).

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: أن محل الوعي القلوب؛ لقوله تعالى: {ختم الله على قلوبهم} يعني لا يصل إليها الخير.

٢ - ومنها: أن طرق الهدى إما بالسمع؛ وإما بالبصر: لأن الهدى قد يكون بالسمع، وقد يكون بالبصر؛ بالسمع فيما يقال؛ وبالبصر فيما يشاهد؛ وهكذا آيات الله عزّ وجلّ تكون مقروءة مسموعة؛ وتكون بيّنة مشهودة.

٣ - ومنها: وعيد هؤلاء الكفار بالعذاب العظيم.


(١) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠٢): ص ١/ ٤٢.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠٣): ص ١/ ٤٢.
(٣) المحرر الوجيز: ١/ ٨٩.
(٤) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٣٧.
(٥) البحر المحيط: ١/ ٣٤.
(٦) أخرجه الطبري (٣١١): ص ١/ ٢٦٨.
(٧) معاني القرآن: ١/ ٨٢.
(٨) التفسير البسيط: ٢/ ١٥٣.
(٩) انظر: "تهذيب اللغة" (عذب) ٣/ ٢٣٦٤، "الصحاح" (عذب) ١/ ١٧٨، "تفسير الثعلبي" ١/ ٤٨ ب، "الكشاف" ١/ ١٦٤.
(١٠) أنظر: التفسير البسيط: ٢/ ١٥١ - ١٥٢.
(١١) انظر. "تفسير الطبري" ١/ ١٢٣، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٥١، "تفسير أبي الليث" ١/ ٩٥.
(١٢) البيت في "ديوانه" ٢/ ٦٧٧، "مجاز القرآن" ١/ ٣٢ و"تفسير الطبري" ١/ ١٢٣، وفيه (يصد) بدل (يصك)، "تفسير القرطبي" ١/ ١٩٨، و"الدر المصون" ١/ ١٣٠. قوله: الشمردلات الإبل الحسان الجميلة الخلق، يصك: يضرب، وهج أليم: شدة الحرارة
(١٣) البيت في "الشعر والشعراء" ص ٢٣٥، و"تفسير الطبري" ١/ ١٢٣، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٥١، و"تفسير الثعلبي" ١/ ٥٠ أ، و"تفسير ابن عطية" ١/ ١٦٥، "الأصمعيات" ص ١٧٢، "البحر المحيط" ١/ ٥٩. وريحانة: أخت عمرو، وكان الصمة أبو دريد قد غزا بني زبيد وسباها، وغزاهم عمرو مرارًا ولم يقدر عليها، وقيل: ريحانة امرأة أراد أن يتزوجها فهو يشبب بها.
(١٤) أنظر: التفسير البسيط: ٢/ ١٥٢ - ١٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>