للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسألة:

إذا قال قائل: هل هذا الختم له سبب من عند أنفسهم، أو مجرد ابتلاء وامتحان من الله عزّ وجلّ؟

فالجواب: أن له سبباً؛ كما قال تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} [الصف: ٥]، وقال تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية} [المائدة: ١٣].

القرآن

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨)} [البقرة: ٨]

التفسير:

ومن الناس فريق يتردد متحيِّرًا بين المؤمنين والكافرين، وهم المنافقون الذين يقولون بألسنتهم: صدَّقْنَا بالله وباليوم الآخر، وهم في باطنهم كاذبون لم يؤمنوا.

في سبب نزول الآية ثلاثة أقوال (١):

أحدها: أنها نزلت في قوم معينين، لأن الله تعالى حكى عنهم أقوالا معينة، قالوها، فلايكون صادرا إلا من معين. قاله أبو حيان (٢)، والطبري (٣).

والثاني: أنها نزلت في منافقي الأوس والخزرج ومن كان على صفتهم، قاله ابن عباس (٤).

والثالث: أنها عامة في المنافقين، قاله مجاهد (٥)، الربيع (٦)، وابن جريج (٧)، وروي عن أبي العالية (٨) والحسن البصري، وقتادة والسدي مثل ذلك (٩).

لما تقدم وصف المؤمنين في صدر السورة بأربع آيات (١٠)، ثم عرّف حال الكافرين بهاتين الآيتين {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٦) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٧)} [البقرة: ٦ - ٧]، شرع تعالى في بيان حال المنافقين في ثلاثة عشرة آية، وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، ولما كان أمرهم يشتبه على كثير من الناس أطنب في ذكرهم بصفات متعددة، كل منها نفاق، كما أنزل سورة براءة فيهم، وسورة المنافقين فيهم، وذكرهم في سورة النور وغيرها من السور، تعريفا لأحوالهم لتجتنب، ويجتنب من تلبس بها أيضًا (١١).

قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ} [البقرة: ٨]، "أي: ومن الناس فريق" (١٢).

قال ابن عثيمين: " أي: وبعض الناس، ولم يصفهم الله تعالى بوصف. لا بإيمان، ولا بكفر.؛ لأنهم كما وصفهم الله تعالى في سورة النساء: {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء} [النساء: ١٤٣] " (١٣).

واختلف العلماء في أصل كلمة {الناس}، وفيه وجهان (١٤):


(١) أنظر: العجاب في بيان الأسباب: ١/ ٢٣٢ - ٢٣٣.
(٢) أنظر: البحر المحيط: ١/ ٥٤، وقال: " "وهم عبد الله بن أبي بن سلول، وأصحابه، ومن وافقه من غير أصحابه ممن أظهر الإسلام وأبطن الكفر ... " وهو في هذا يرد على أبي البقاء إذا استضعف أن تكون "مَنْ" موصولة بمعنى الذي قال: لأن "الذي" يتناول قومًا بأعيانهم، والمعنى هنا على الإبهام.
(٣) أنظر: تفسيره: ١/ ٢٦٨.
(٤) أنظر: تفسير الطبري (٣١٢) و (٣١٧): ص ١/ ٢٦٨ - ٢٧٠، وأخرجه ابن أبي حاتم (١٠٤): ص ١/ ٤٢، ولمعرفة أسماء المنافقين من الأوس والخرج، أنظر: سيرة ابن هشام: ٣٥٥ - ٣٦١.
(٥) أخرجه الطبري (٣١٣)، و (٣١٤)، و (٣١٦): ص ١/ ٢٦٩، ولفظه: " "هذه الآية إلى ثلاث عشرة، في نَعت المنافقين".
(٦) أنظر: تفسير الطبري (٣١٨): ص ١/ ٢٧٠.
(٧) أنظر: تفسير الطبري (٣١٩): ص ١/ ٢٧٠.
(٨) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (١٠٥): ص ١/ ٤٢.
(٩) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ٤٢، وتفسير ابن كثير: ١/ ٤٧، والعجاب في أسباب: ١/ ٢٣٢.
(١٠) وهي قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)} [البقرة: ٢ - ٥]
(١١) أنظر: تفسير ابن كثير: ١/ ١٧٦.
(١٢) صفوة التفاسير: ١/ ٢٩.
(١٣) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٣٩.
(١٤) أنظر: تفسير الطبري: ١/ ٢٦٨، والتفسير البسيط: ٢/ ١٢٣ - ١٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>