للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أن يكون جمعًا لا واحدَ له من لَفْظِه، كالقوم والرهط والجيش، واختلفوا في تصغيره، فقيل: (أنيس) و (نويس).

فمن قال: (أنيس) وهو قول أكثر النحويين (١)، دل على أن أصله (أناس) لثبوت الهمزة في التصغير. ومن قال: نويس، جعل اشتقاق الناس من (النوس) وهو الاضطراب والحركة يقال ناس ينوس إذا تذبذب وتحرك، وأناس إذا حرك. ومنه قول المرأة في حديث أم زرع: "أناس من حلي أذني" (٢).

قال الأزهري: " وسمي الناس ناسًا، لأن من شأنهم الحركة على الاختيار العقلي، والواو في التصغير يدل على هذا الاشتقاق، وواحد الناس: إنسان، لا من لفظه" (٣).

والثاني: أن يكون أصله (أُناس) (٤)، أسقِطت الهمزة منها لكثرة الكلام بها، ثم دخلتها الألف واللام المعرِّفتان، فأدغِمت اللام - التي دخلت مع الألف فيها للتعريف - في النون، كما قيل في {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} [سورة الكهف: ٣٨]، وقد استعمله الشاعر على الأصل فقال (٥):

إن المنايا يَطّلعـ ... ـنَ على الأناس الآمنينا

قال الأزهري: "وهذا قول حذاق النحويين" (٦).

قال الأزهري: "وأصل الإنس، والإنسان، والناس، من آنس يؤنس إذا أبصر، لأنهم يؤنسون، أي: يبصرون، كما قيل للجن: جن، لأنهم مجتنّون، لا يؤنسون أي: لا يبصرون" (٧)، وقد روي عن ابن عباس أنه قال: عهد الله سبحانه إلى آدم فنسي فسمي إنساناً" (٨)، قال الواحدي: "وإن صح هذا فالهمزة تكون زائدة" (٩)، ومنه قول الشاعر (١٠):

لا تنسين تلك العهود فإنما ... سميت إنسانا لأنك ناسي

وقال الآخر (١١):


(١) قال سيبويه: (ليس من العرب أحد إلا ويقول: نويس)، انظر "الكتاب" ٣/ ٤٥٧، وانظر "المسائل الحلبيات" لأبي علي الفارسي ص ١٧١، ١٧٢.
(٢) قطعة من حديث طويل، فقد أخرج البخاري بسنده عن عائشة، قالت (جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً ... )، وفيه: (قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع فما أبو زرع أناس من حلي أذني ..... ). أخرجه البخاري (٥١٨٩) كتاب النكاح، باب: حسن المعاشرة مع الأهل، ومسلم (٢٤٤٨) كتاب فضائل الصحابة، باب: فضائل عائشة، قال ابن حجر اختلف في رفعه ووقفه، ثم ذكر الخلاف في ذلك، وقال: (قلت: المرفوع منه في الصحيحين: (كنت لك كأبي زرع لأم زرع) وباقيه من قول عائشة، وجاء خارج الصحيحين مرفوعا كله ... ). (الفتح) ٩/ ٢٥٥ - ٢٥٧. وقد ذكر علماء اللغة وغريب الحديث أجزاء من الحديث، لما فيه من الألفاظ، فذكره أبو عبيد في "غريب الحديث"، ١/ ٣٦٤ - ٣٧٦، وورد في "الفائق" ٣/ ٤٨، ٤٩، وذكر قطعة منه الأزهري في "التهذيب" ٣/ ٢٤٥١، وذكره السيوطي من طرق كثيرة في "المزهر" ٢/ ٤٤٩.
(٣) الهذيب: ١/ ٢١٦.
(٤) أنظر: التهذيب: ١/ ٢١٧.
(٥) البيت لذي جدن الحميري، ورد في "مجالس العلماء" للزجاجي ص ٧٠، "الخزانة" ٢/ ٢٨٠، "الخصائص" ٣/ ١٥١، "تفسير البيضاوي" ١/ ٩٩، "الدر المصون" ١/ ١١٩، "اللسان" (نوس) ٨/ ٤٥٧٥.
(٦) التهذيب: ١/ ٢١٧.
(٧) التهذيب: ١/ ٢١٦ - ٢١٧.
(٨) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٤٩ أ، والقرطبي ١/ ١٦٨.
(٩) التفسير البسيط: ٢/ ١٢٦. قال الواحدي: "وذكر أبو علي في [المسائل الحلبية: ٤٣] ": أن الكسائي قال: إن الأناس لغة، والناس لغة أخرى، كأنه يذهب إلى أن (الفاء) محذوف من الناس، كما يذهب إليه سيبويه [الكتاب: ٢/ ١٩٦]، والدلالة على أنهما من لفظ واحد، وليسا من كلمتين مختلفتين أنهم قالوا: (الأناس) في المعنى الذي قالوا فيه (الناس) وقالوا: الإنس والأنس والإنسي والأناسي، وإذا كان كذلك ثبت أن الهمزة (فاء) الفعل، وأن الألف من (أناس) زائدة، وأن (فاء) الفعل من الناس هي الهمزة المحذوفة، وهذا من مبادئ التصريف وأوائله، ولو جاز لقائل أن يقول: إن (ناسا) لسقوط الهمزة منه ليس من لفظ أناس، للزمه أن يقول: [قولهم (ويل أمه) إذا حذفت الهمزة منه: ليست التي في (أمه) وأن يقول]: (عدة) ليس من الوعد، لسقوط الواو منه التي هي (فاء) ". التفسير البسيط: ٢/ ١٢٦ - ١٢٧].
[ولم أجد هذا القول للكسائي في "المسائل الحلبيات". انظر: "المسائل الحلبيات" ص ١٦٨ - ١٧٣، وانظر "تهذيب اللغة" (أنس) ١/ ٢١٦ - ٢١٧].
(١٠) هو أبو تمام: والبيت في ديوانه: ٢/ ٢٤٥.
(١١) ذكره الرازي في تفسيره: ٢/ ٦١، ونسبه لأبي الفتح البستي، والشطر الاول عنده: نسيت عهدك والنسيان مغتفر. وأورده السمين الحلبي في الدر المصون: ١/ ١٢٠، وابن عادل الحنبلي في اللباب: ١/ ٣٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>