للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو أن يُظهر الإنسان الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، ويُبطن ما يُناقض ذلك كلّه أو بعضه، وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونزل القرآن بذمِّ أهله وتكفيرهم، وأخبر أنهم في الدرك الأسفل من النار (١).

قال ابن القيم: الحامل لهم على النفاق طلب العزّ والجاه بين الطائفتين، فيرضوا المؤمنين ليعزّوهم، ويرضوا الكفار ليعزّوهم أيضاً. ومن ها هنا دخل عليهم البلاء؛ فإنهم أرادوا العزّتين من الطائفتين، ولم يكن لهم غرض في الإيمان والإسلام ولا طاعة الله ورسوله، بل كان ميلهم وصَغْوُهم ووجهتهم إلى الكفار، فقوبلوا على ذلك بأعظم الذّل وهو أن جُعِلَ مستقرّهم في أسفل السافلين تحت الكفار. (٢)

ثانيا: - النفاق الأكبر:

وهو كل ما جاء في النصوص تسمية فاعلها منافقاً مع إخراجه من الملة وتكفيره بذلك سواء كان قولاً أو عملاً أو اعتقاداً، فالنفاق: هو الذي أنكره الله على المنافقين في القرآن وأوجب لهم الدرك الأسفل من النار (٣)، وهذا النوع من النفاق يوجب الخلود في النار في دركها الأسفل وهو أن يظهر للمسلمين إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وهو في الباطن منسلخ من ذلك كله مكذب به لا يؤمن بأن الله أنزله على بشر وجعله رسولاً للناس يهديهم بإذنه وينذرهم بأسه ويخوفهم عقابه. وقد هتك الله سبحانه أستار المنافقين وكشف أسرارهم في القرآن وجلي لعباده أمورهم ليكونوا منها ومن أهلها على حذر وذكر طوائف العالم الثلاثة في أول سورة البقرة: المؤمنين والكفار والمنافقين. فذكر في المؤمنين أربع آيات وفي الكفار آيتين وفي المنافقين ثلاث عشرة آية لكثرتهم وعموم الابتلاء بهم وشدة فتنتهم على الإسلام وأهله فإن بلية الإسلام بهم شديدة جداً لأنهم منسوبون إليه وإلى نصرته وموالاته وهم أعداؤه في الحقيقة (٤).

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: بلاغة القرآن؛ بل فصاحة القرآن في التقسيم؛ لأن الله سبحانه وتعالى ابتدأ هذه السورة بالمؤمنين الخلَّص، ثم الكفار الخلَّص، ثم بالمنافقين؛ وذلك؛ لأن التقسيم مما يزيد الإنسان معرفة، وفهماً.

٢ - ومنها: أن القول باللسان لا ينفع الإنسان؛ لقوله تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين)

٣ - ومنها: أن المنافقين ليسوا بمؤمنين. وإن قالوا: إنهم مؤمنون.؛ لقوله تعالى: {وما هم بمؤمنين}؛ ولكن هل هم مسلمون؟ إن أريد بالإسلام الاستسلام الظاهر فهم مسلمون؛ وإن أريد بالإسلام إسلام القلب والبدن فليسوا بمسلمين.

٤ - ومنها: أن الإيمان لا بد أن يتطابق عليه القلب، واللسان.

ووجه الدلالة: أن هؤلاء قالوا: "آمنا" بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم؛ فصح نفي الإيمان عنهم؛ لأن الإيمان باللسان ليس بشيء.

القرآن

{يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٩)} [البقرة: ٩].

التفسير:

يعتقدون بجهلهم أنهم يخادعون الله والذين آمنوا بإظهارهم الإيمان وإضمارهم الكفر، وما يخدعون إلا أنفسهم؛ لأن عاقبة خداعهم تعود عليهم، ومِن فرط جهلهم لا يُحِسُّون بذلك؛ لفساد قلوبهم.

فإن المنافقين "من الغفلة بحيث لا يخدعون إلا أنفسهم في غير شعور! إن الله بخداعهم عليم والمؤمنون في كنف الله فهو حافظهم من هذا الخداع اللئيم. أما أولئك الأغفال فهم يخدعون أنفسهم ويغشونها. يخدعونها حين


(١) جامع العلوم والحكم للإمام ابن رجب رحمه الله تعالى، ٢/ ٤٨٠، وانظر: صفات المنافقين لابن القيم، ص ٤.
(٢) طريق الهجرتين (ص ٧١٣).
(٣) ابن القيم في الصلاة ١/ ٧٨
(٤) ابن القيم في المدارج ١/ ٣٤٨

<<  <  ج: ص:  >  >>