للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يظنون أنهم أربحوها وأكسبوها بهذا النفاق، وهم في الوقت ذاته يوردونها موارد التهلكة. وينتهون بها إلى شر مصير! " (١).

قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ الله} [البقرة: ٩]، "أي يخالفون الله" (٢).

قال ابن عثيمين: "أي: بإظهار إسلامهم الذي يعصمون به دماءهم، وأموالهم" (٣).

قال ابن جُرَيْج: يظهرون "لا إله إلا الله" يريدون أن يحرزوا بذلك دماءهم وأموالهم، وفي أنفسهم غير ذلك" (٤).

وقال قتادة: " نعت المنافق: خنع الأخلاق، يصدق بلسانه وينكر بقلبه، ويخالف بعلمه، ويصبح على حال ويسمى على غيره، ويسمى على حال ويصبح على غيره، يتكفأ تكفأ السفينة كلما هبت ريح هب معها" (٥).

قوله تعالى: {والذين آمَنُوا} [البقرة: ٩]، أي: "ويخادعون المؤمنين بقولهم إذا رأوهم آمنا" (٦).

قال ابن عثيمين: " ويخدعون الذين آمنوا بإظهار الإسلام، وإبطان الكفر، فيظن المؤمنون أنهم صادقون" (٧).

قال ابن زيد: " هؤلاء المنافِقُون، يخادعون الله ورسولَه والذين آمنوا، أنهم مؤمنون بما أظهروا" (٨).

قال الزجاج: " يظهرون غير ما في نفوسهم، والتقية تسمى أيضا خداعا، فكأنهم لما أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر صارت تقيتهم خداعا" (٩).

قال الطبري: " وخداعُ المنافق ربَّه والمؤمنينَ، إظهارُه من القول والتصديق، خلافَ الذي في قلبه من الشكّ والتكذيب، ليدْرَأ عن نفسه، بما أظهر بلسانه، حكمَ الله عز وجلّ - اللازمَ مَن كان بمثل حاله من التكذيب، لو لم يُظْهِرْ بلسانه ما أظهرَ من التصديق والإقرار - من القَتْل والسِّباء. فذلك خِداعُه ربَّه وأهلَ الإيمان بالله" (١٠).

وقال أبو حيان: " والله تعالى هو العالم الذي لا يخفى عليه شيء. فمخادعة المنافقين الله هو من حيث الصورة لا من حيث المعنى من جهة تظاهرهم بالإيمان وهم مبطنون للكفر، قاله جماعة، أو من حيث عدم عرفانهم بالله وصفاته فظنوا أنه ممن يصح خداعه" (١١).

وقال القاشاني: "المخادعة استعمال الخدع من الجانبين، وهو إظهار الخير، واستبطان الشر. ومخادعة الله مخادعة رسوله، لقوله من يطع الرسول فقد أطاع الله [النساء: ٨٠]. فخداعهم لله وللمؤمنين إظهار الإيمان والمحبة، واستبطان لكفر والعداوة. وخداع الله والمؤمنين إياهم مسالمتهم، وإجراء أحكام الإسلام عليهم. بحقن الدماء وحصن الأمول وغير ذلك، وادخار العذاب الأليم، والمآل الوخيم، وسوء المغبة لهم، وخزيهم في الدنيا لافتضاحهم بإخباره تعالى وبالوحي عن حالهم. لكن الفرق بين الخداعين: أن خداعهم لا ينجح إلا في أنفسهم. بإهلاكها، وتحسيرها، وإيراثها الوبال والنكال- بازدياد الظلمة، والكفر، والنفاق، واجتماع أسباب الهلكة، والبعد والشقاء، عليها- وخداع الله يؤثر فيهم أبلغ تأثير، ويوبقهم أشد إيباق، كقوله تعالى: ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين [آل عمران: ٥٤]، وهم- من غاية تعمقهم في جهلهم- لا يحسون بذلك الأمر الظاهر" (١٢).


(١) في ظلال القرآن (١/ ٤٢ - ٣)
(٢) تفسير البغوي: ١/ ٦٥ - ٦٦.
(٣) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٤٠.
(٤) تفسير ابن أبي حاتم (١/ ٤٦) ز وتفسير ابن كثير: ١/ ١٧٨.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠٨): ص ١/ ٤٣.
(٦) تفسير البغوي: ١/ ٦٥ - ٦٦.
(٧) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٤٠.
(٨) أخرجه الطبري (٣٢٠): ص ١/ ٢٧٣ - ٢٧٤.
(٩) معاني القرآن: ١/ ٨٥.
(١٠) تفسير الطبري: ١/ ٢٧٢ - ٢٧٣.
(١١) البحر المحيط: ١/ ٣٩.
(١٢) محاسن التأويل: ١/ ٢٤٨ - ٢٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>