للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالث: وهو قول بعض الكوفيين: أن معناه: إذا انصرفوا إلى شياطينهم فيكون قوله: {إلى} مستعملاً في موضع لا يصح الكلام إلا به.

قال الإمام الطبري: "وهذا القول-أي الأخير- عندي أولى بالصواب، لأن لكل حرف من حُرُوف المعاني وجهًا هو به أولى من غيره فلا يصلح تحويل ذلك عنه إلى غيره إلا بحجة يجب التسليم لها. ولِـ (إلى) في كل موضع دخلت من الكلام حُكْم، وغيرُ جائز سلبُها معانِيَها في أماكنها" (١).

واختلف أهل اللغة في الأصل الذي يرجع إليه اشتقاق (الشيطان)، على قولين (٢):

أحدهما: أنه مشتق من (شَطَنَ)، بمعنى: بَعُد عن الحقِّ، وشَطَنَتْ دارُه، أي بعدت، فسمي شيطاناً، إما لبعده عن الخير، وإما لبعد مذهبه في الشر، فعلى هذا النون أصلية (٣).

والقول الثاني: أنه يرجع إلى الجذر (شَيَطَ)، مشتق من شاط يشيط، أي هلك يهلك، كما قال الأعشى (٤):

قد نَخْضِبُ العَيْرَ من مَكْنُونِ فائلِه ... وَقَدْ يَشِيطُ عَلَى أَرْمَاحِنَا البَطَلُ

أي يهلك، فعلى هذا يكون النون فيه زائدة (٥).

والقول الأول هو الأرجح؛ أي: اشتقاقه من (شطن)؛ وذلك لأنَّها أقرب إلى وصف أعمال الشيطان التي تَهدف إلى إبعاد الناس عن عمَل الخير واتِّباع الحق؛ "لأنَّ اشتقاق الشيطان من شطن؛ بمعنى: بَعُد عن الخير ومال عن الحقِّ - أقرب إلى الحقيقة من اشتقاقه من شاط؛ بمعنى: احترق؛ ذلك أنَّ عمل الشيطان هو إبعاد الناس عن الحقِّ، والذي يبعد الناس عن الحقِّ والخير يكون هو بعيدًا عنه" (٦).

قوله تعالى: {قالوا إِنَّا مَعَكُمْ} [البقرة: ١٤]، أي أي قالوا لهم نحن"على ما أنتم عليه من التكذيب والعداوة" (٧).

قال ابن عباس: " أي إنا على مثل ما أنتم عليه" (٨).

قال الثعلبي: "أي: على دينكم وأنصاركم" (٩).

قوله تعالى: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: ١٤]، أي: " وإِنما نستهزئ بالقوم ونسخر منهم بإِظهار الإِيمان" (١٠).

قال الطبري: أي: "إنما نحن ساخرون" (١١).

قال الثعلبي: أي: "بمحمد وأصحابه" (١٢).

قال الماوردي: " أي ساخرون بما نظهره من التصديق والموافقة" (١٣).


(١) انظر: تفسير الطبري: ١/ ١٩٩.
(٢) أنظر: قاموس العين - الفراهيدي ج (٦)، ص (٢٣٦)، وأساس البلاغة، ص (٣٢٩)، القاموس المحيط ج (١)، ص (٨٧٠)، والمصباح المنير ج (١)، ص (٣١٣)، والمعجم الوسيط ج (١)، ص (٤٨٣)، وتهذيب اللغة ج (١١)، ص (٢١٣)، وجمهرة اللغة ج (٢)، ص (٨٦٧)، ومختار الصحاح، ص (١٤٢).
(٣) انظر المعاجم التالية:
* معجم العين – للخليل بن أحمد الفراهيدي – ص ٤٧٩، ٥٠٣.
* مجمل اللغة – لابن فارس – ج ٢ – ص ٥٠٢، ٥١٨.
* المحيط في اللغة – للصاحب بن عباد – ج ٧ – ص ٣٠٤، ٣٥٨.
* لسان العرب – لابن منظور – ج ١٣ – ص ٢٣٧، ٣٣٧.، * مختار الصحاح – للفخر الرازي – ص ٣٣٨
* المفردات في غريب القرآن – للراغب الاصفهاني – ص ٢٦١.، * المصباح المنير – للفيومي – ص ١٤٢
(٤) ديوانه ص ١١٣؛ ولسان العرب ٧/ ٣٣٨ (شيط). نخضب: نصبغ بالخضاب وهو الحناء، وأراد به هنا الدماء. العير: الحمار الوحشي. الفائل: اللحم الذي على نقرة الورك، ومكنون فائله: دمه المستتر فيه. يشيط: يهلك، أو يذهب دمه هدرًا.
(٥) أنظر: قاييس اللغة ج (٣)، ص (١٨٤ - ١٨٥)، ولسان العرب ج (١٧)، ص (١٠٥)، والمفردات - الراغب الأصفهاني، ص (٢٦١).
(٦) التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي ولغة القرآن - د. عودة خليل أبو عودة - مكتبة المنار - الأردن، ص (٤٧٨).
(٧) النكت والعيون: ١/ ٧٦.
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم (١٤١): ص ١/ ٤٨.
(٩) تفسير اثعلبي: ١/ ١٥٧.
(١٠) صفوة التفاسير: ١/ ٣٠.
(١١) تفسير الطبري: ١/ ٢٠٠.
(١٢) تفسير اثعلبي: ١/ ١٥٧.
(١٣) النكت والعيون: ١/ ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>