للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفوائد:

١ من فوائد الآية: بيان سفه هؤلاء المنافقين، حيث اشتروا الضلالة بالهدى.

٢ ومنها: شغف المنافقين بالضلال؛ لأنه تبارك وتعالى عبر عن سلوكهم الضلال بأنهم اشتروه؛ والمشتري مشغوف بالسلعة محب لها.

٣ ومنها: أن الإنسان قد يظن أنه أحسنَ عملاً وهو قد أساء؛ لأن هؤلاء اشتروا الضلالة بالهدى ظناً منهم أنهم على صواب، وأنهم رابحون، فقال الله تعالى: {فما ربحت تجارتهم}.

٤ ومنها: خسران المنافقين فيما يطمعون فيه بالربح؛ لقوله تعالى: (فما ربحت تجارتهم).

٥ ومنها: أن المدار في الربح، والخسران على اتباع الهدى؛ فمن اتبعه فهو الرابح؛ ومن خالفه فهو الخاسر؛ ويدل لذلك قوله تعالى: {والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} [العصر: ١. ٣]، وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} [الصف: ١٠، ١١]: تقف على {خير لكم}؛ لأن {إن كنتم تعلمون} إذا وصلناها بما قبلها صار الخير معلقاً بكوننا نعلم. وهو خير علمنا أم لم نعلم.

٦. ومن فوائد الآية: أن هؤلاء لن يهتدوا؛ لقوله تعالى: {وما كانوا مهتدين}؛ لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً؛ ولذلك لا يرجعون؛ وهكذا كل فاسق، أو مبتدع يظن أنه على حق فإنه لن يرجع؛ فالجاهل البسيط خير من هذا؛ لأن هذا جاهل مركب يظن أنه على صواب. وليس على صواب.

القرآن

{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧)} [البقرة: ١٧ - ١٨]

التفسير:

إن مثل المنافقين في اشترائهم الضلالة بالهدى، وصيرورتهم بعد البصيرة إلى العمى، كمثل رجل استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله وانتفع بها وأبصر بها ما عن يمينه وشماله وتأنس بها فبينما هو كذلك إذ طفئت ناره وصار في ظلام شديد لا يُبصر ولا يهتدي.

قال ابن عباس: " هذا مثل ضربه الله للمنافقين أنهم كانوا يتعزون بالإسلام فينا المسلمين ويقاسمونهم الفيء فلما ماتوا سلبهم الله ذلك العز كما سلب صاحب النار ضوءه" (١). وروي عن أبي العالية (٢)، وعطاء الخراساني (٣) مثل ذلك.

قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذي استوقد نَاراً} [البقرة: ١٧]، "أي مثالهم في نفاقهم وحالهم العجيبة فيه كحال شخص أوقد ناراً ليستدفئ بها ويستضيء" (٤).

وذكروا في تفسير قوله تعالى: {اسْتَوْقَدَ نَارًا} [البقرة: ١٧]، أربعة أوجه (٥):

أحدها: أنه أراد كمثل الذي أوقد، فدخلت السين زائدة في الكلام (٦)، وهو قول الأخفش (٧).

ومن ذلك قال الشاعر (٨):

وَدَاعٍ دَعَا: يَا مَنْ يُجِيبُ إِلَى النَّدَى ... فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ

فقوله: لم يستجبه، أي: لم يجبه.


(١) أخرجه ابن أبي حاتم (١٥٨): ص ١/ ٥٠.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم (١٥٩): ص ١/ ٥٠.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (١٦٠): ص ١/ ٥٠ - ٥١.
(٤) صفوة التفاسير: ١/ ٣١.
(٥) أنظر: النكت والعيون: ١/ ٧٩ - ٨٠.
(٦) أنظر: النكت والعيون: ١/ ٧٩ - ٨٠.
(٧) انظر "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٠٨، "تأويل مشكل القرآن" ص ٣٦٢، "تفسير الطبري" ١/ ١٤٣، "تفسير ابن عطية" ١/ ١٨٣، "زاد المسير" ١/ ٣٩، "القرطبي" ١/ ١٨٣، "البحر" ١/ ٧٥.
(٨) الشعر لكعب بن سعد الغنوي. الأصمعيات: ١٤، وأمالي القالي ٢: ١٥١، وهي من حسان قصائد الرثاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>