للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أنه أراد استوقد مِنْ غيره ناراً للضياء (١).

والثالث: وقيل: المراد طلب من غيره أن يوقد له (٢).

والرابع: وقيل: طلب الوقود وسعى في تحصيله، وهو سطوع النار وأرتفاع لهبها (٣).

قال الواحدي: والأول الصحيح" (٤). أي بمعنى (أوقد).

و(النار) مشتقة من النور وجمعها نيران، والنار تستعار لكل شدة، فيقال: أوقد نار الفتنة، وألقى بينهم نارا: إذا ألقى عداوة (٥).

وقوله {الذي} في قوله: {الذي استوقد نارا}، المراد به الجماعة، وهو مذهب ابن قتيبة وابن الأنباري، واحتج ابن قتيبة بقول الشاعر (٦):

فَإِنَّ الَّذِي حَانَتْ بِفَلْجٍ دِمَاؤُهُمْ ... هُمُ الْقَوْمُ كُلُّ الْقَوْمِ يَا أُمَّ خَالِدِ (٧)

وقال ابن الأنباري: " (الذي) في هذه الآية، واحد في معنى الجمع (٨)، وليس على ما ذكره ابن قتيبة، لأن (الذي) في البيت الذي احتج به جمع واحد (اللذ)، والذي في الآية واحد في اللفظ لا واحد له، ولكن المراد منه الجمع (٩).

قوله تعالى: {فَلَمَّآ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ} [البقرة: ١٧]، "أي فلما أنارتْ المكان الذي حوله فأبصر وأمِن، واستأنس بتلك النار المشعة المضيئة" (١٠).

قال مجاهد: " أما إضاءة النار فإقبالهم إلى المؤمنين والهدى" (١١).

وروي "عن السدي: {فلما أضاءت ما حوله}، : زعم أن أناسا دخلوا في الإسلام مقدم النبي- صلى الله عليه وسلم- المدينة ثم إنهم نافقوا فكان مثلهم كمثل رجل كان في ظلمة فأوقد نارا فلما أضاءت ما حوله من قذى أو أذى فأبصره حتى عرف ما يتقي منها فبينما هو كذلك إذ أطفئت ناره، فأقبل لا يدري ما يتقي من أذى، فذلك المنافق كان في ظلمة الشرك فأسلم فعرف الحلال والحرام، والخير من الشر، فبينما هو كذلك إذ كفر فصار لا يعرف الحلال من الحرام ولا الخير من الشر" (١٢).

قال أبو عبيد: "أضاءت النار، وأضاءها غيرها" (١٣).

قال الواحدي: "والنار تضيء في نفسها، وتضيء غيرها من الأشياء، قال الشاعر (١٤):


(١) أنظر: النكت والعيون: ١/ ٧٩ - ٨٠.
(٢) انظر "تفسير ابن عطية" ١/ ١٨٤، "زاد المسير" ١/ ٣٩.
(٣) انظر: انظر: "تفسير البيضاوي" ١/ ١١، "تفسير أبي السعود" ١/ ٥٠، وانظر. "البحر" ١/ ٧٨.
(٤) التفسير البسيط: ٢/ ١٨٧.
(٥) أنظر: التفسير البسيط: ٢/ ١٨٧.
(٦) البيت للأشهب بن رميلة، وهو من "شواهد سيبويه"، استشهد به على حذف النون من (الذين) عند طول الصلة. "الكتاب" ١/ ١٨٧، وكذا في "المقتضب" ٤/ ١٤٦، وفي "تأويل مشكل القرآن" ص ٣٦١، "تفسير الطبري" ١/ ١٤١، "المنصف" ١/ ٦٧، "زاد المسير" ١/ ٤٠، "القرطبي" في "تفسيره" ١/ ١٢٩، (الخزانة) ٦/ ٢٥، (شرح المفصل) ٣/ ١٥٤ - ١٥٥، (همع الهوامع) ١/ ٦٨، ٤/ ٣٨٠، "الدر المصون" ١/ ١٥٧، "مغني اللبيب" ١/ ١٩٤، "البحر المحيط" ١/ ٧٦، "معجم البلدان" ٤/ ٢٧٢، قال ياقوت: فلج: واد بين البصرة وحمى ضرية، وقيل: طريق تأخذ من طريق البصرة إلى اليمامة. وقعت فيه الوقعة التي يصفها الشاعر، هم القوم كل القوم: أي الكاملون في قوميتهم. فاعلمي ذلك وابكي عليهم يا أم خالد.
(٧) انظر "تأويل مشكل القرآن" ص ٣٦١، وانظر "الكشاف" ١/ ١٩٦، "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ٢٠.
(٨) ذكر نحوه الأخفش في "معاني القرآن" ١/ ٢٠٩، وانظر "زاد المسير" ١/ ٣٩، "الدر المصون" ١/ ١٥٦.
(٩) أنظر: التفسير البسيط: ٢/ ١٩٣ - ١٩٤. وقد رد على ابن قتيبة "الطبري" حيث قال: (وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة: أن (الذي) في قوله: {كمثل الذي استوقد نارا} بمعنى (الذين) كما قال جل ثناؤه: {والذي جاء بالصدق وصدق به} [الزمر: ٣٣]. وكما قال الشاعر: فإن الذي ... البيت (ثم قال: (وقد أغفل قائل ذلك فرق ما بين (الذي) في الآيتين والبيت .... وغير جائز لأحد نقل الكلمة التي هي الأغلب في استعمال العرب على معنى، إلى غيره إلا بحجة يجب التسليم لها). "تفسير الطبري" ١/ ١٤١، وانظر "البحر" ١/ ٧٧، "الدر المصون" ١/ ١٥٧.
(١٠) صفوة التفاسير: ١/ ٣١.
(١١) أخرجه ابن أبي حاتم (١٦١): ص ١/ ٥١.
(١٢) أخرجه ابن أبي حاتم (١٦٢): ص ١/ ٥١.
(١٣) "تهذيب اللغة" (ضاء) ٣/ ٢٠٧٧.
(١٤) البيت نسبه بعضهم لأبي الطمحان القيني، وبعضهم للقيط بن زرارة، يقول: إن أحسابهم طاهرة زكية، فدجى الليل تنكشف من نور أحسابهم، حتى إن ثاقب الضوء يسهل نظم الجزع لناظمه، ورد البيت في "الكامل" ٣/ ١٢٩، "الحماسة بشرح المرزوقي" ٤/ ١٥٩٨، "أمالي المرتضى" ١/ ٢٥٧، "الشعر والشعراء" ص ٤٧٥، "الصناعتين" ص ٣٦٠، "خزانة الأدب" ٨/ ٩٥، "اللسان" (خضض) ٢/ ١١٨٦، "القرطبي" في "تفسيره" ١/ ١٨٥. [حاشية التفسير البسيط: ٢/ ١٨٧ - ١٨٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>