للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ ومنها: ثبوت القياس، وأنه دليل يؤخذ به؛ لأن الله أراد منا أن نقيس حالهم على حال من يستوقد؛ وكل مثل في القرآن فهو دليل على ثبوت القياس.

٣ ومنها: أن هؤلاء المنافقين ليس في قلوبهم نور؛ لقوله تعالى: {كمثل الذي استوقد ناراً}؛ فهؤلاء المنافقون يستطعمون الهدى، والعلم، والنور؛ فإذا وصل إلى قلوبهم. بمجرد ما يصل إليها. يتضاءل، ويزول؛ لأن هؤلاء المنافقين إخوان للمؤمنين من حيث النسب، وأعمام، وأخوال، وأقارب؛ فربما يجلس إلى المؤمن حقاً، فيتكلم له بإيمان حقيقي، ويدعوه، فينقدح في قلبه هذا الإيمان، ولكن سرعان ما يزول.

٤ ومن فوائد الآيتين: أن الإيمان نور له تأثير حتى في قلب المنافق؛ لقوله تعالى: {فلما أضاءت ما حوله}: الإيمان أضاء بعض الشيء في قلوبهم؛ ولكن لما لم يكن على أسس لم يستقر؛ ولهذا قال تعالى في سورة المنافقين. وهي أوسع ما تحدَّث الله به عن المنافقين: {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم} [المنافقون: ٣].

٥ ومنها: أنه بعد أن ذهب هذا الضياء حلت الظلمة الشديدة؛ بل الظلمات.

٦ ومنها: أن الله تعالى جازاهم على حسب ما في قلوبهم: {ذهب الله بنورهم}، كأنه أخذه قهراً.

فإن قال قائل: أليس في هذا دليل على مذهب الجبرية؟

فالجواب: لا؛ لأن هذا الذي حصل من رب العباد عزّ وجلّ بسببهم؛ وتذكَّر دائماً قول الله تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} [الصف: ٥]. حتى يتبين لك أن كل من وصفه الله بأنه أضله فإنما ذلك بسبب منه

٧ ومن فوائد الآيتين: تخلي الله عن المنافقين؛ لقوله تعالى: [وتركهم]

ويتفرع على ذلك: أن من تخلى الله عنه فهو هالك. ليس عنده نور، ولا هدًى، ولا صلاح؛ لقوله تعالى: (وتركهم في ظلمات لا يبصرون)

القرآن

{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (١٨)} [البقرة: ١٨]

التفسير:

هم صُمٌّ عن سماع الحق سماع تدبر، بُكْم عن النطق به، عُمْي عن إبصار نور الهداية؛ لذلك لا يستطيعون الرجوع إلى الإيمان الذي تركوه، واستعاضوا عنه بالضلال.

قوله تعالى: {صُمٌّ} [البقرة: ١٨]، "أي هم كالصم لا يسمعون خيراً" (١).

قال ابن عباس: " لا يسمعون الهدى" (٢). وروي نحوه عن السدي (٣)، وقتادة (٤)، وأبي مالك (٥).

و(الصمم) في كلام العرب: الانسداد، يقال: قناة صماء إذا لم تكن مجوفة، وصممت القارورة إذا سددتها. فالأصم: من انسدت خروق مسامعه. والأبكم: الذي لا ينطق ولا يفهم، فإذا فهم فهو الأخرس. وقيل: الأخرس والأبكم واحد. ويقال: رجل أبكم وبكيم، أي أخرس بين الخرس والبكم، (٦) قال الشاعر (٧):

فليت لساني كان نصفين منهما ... بكيم ونصف عند مجرى الكواكب

قوله تعالى: {بُكْمٌ} [البقرة: ١٨]، " أي" كالخرص لا يتكلمون بما ينفعهم" (٨).

قال قتادة: " بكم عنه [أي الحق]، فهم لا ينطقون به" (٩).

وقال أبو مالك: ، قوله: {بكم}، يعني خرسا عن الكلام بالإيمان، فلا يستطيعون الكلام" (١٠).


(١) صفوة التفاسير: ١/ ٣١.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم (١٧٢): ص ١/ ٥٢.
(٣) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (١٧٣): ص ١/ ٥٣.
(٤) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (١٧٤): ص ١/ ٥٣.
(٥) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (١٧٥): ص ١/ ٥٣.
(٦) انظر: اللسان معجم مقاييس اللغة مادة (بكم).
(٧) البيت للحصين بن الحمام، ورد في معجم مقاييس اللغو: مادة (بكم)، وانظر: سيرة ابن هشام: ١/ ٩٢، وبكيم: أخرس. ومجرى الكواكب: فلكها الذي تدور فيه.
(٨) صفوة التفاسير: ١/ ٣١.
(٩) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (١٧٤): ص ١/ ٥٢.
(١٠) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (١٧٥): ص ١/ ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>