للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قراءة عبد الله بن مسعود وحفصة: {صماً بكماً عمياً}، فيجوز النصب على الذم، كما قال تعالى: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا} [الأحزاب: ٦١]، وكما قال: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: ٤]، ومن ذلك قول عروة بن الورد (١):

سقوني الخمر ثم تكنفوني ... عداة الله من كذب وزور

فنصب "عداة الله" على الذم. فالوقف على "يبصرون" على هذا المذهب صواب حسن. ويجوز أن ينصب صما بـ {تركهم}، كأنه قال: وتركهم صما بكما عميا، فعلى هذا المذهب لا يحسن الوقف على "يبصرون" (٢).

الفوائد:

١ - ومن فوائد الآية: أن هؤلاء المنافقين أصم الله تعالى آذانهم، فلا يسمعون الحق؛ ولو سمعوا ما انتفعوا؛ ويجوز أن يُنفى الشيء لانتفاء الانتفاع به، كما في قوله تعالى: {ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون} (الأنفال: ٢١)

٢ - ومنها: أن هؤلاء المنافقين لا ينطقون بالحق. كالأبكم.

٣ - ومنها: أنهم لا يبصرون الحق. كالأعمى.

٤ - ومنها: أنهم لا يرجعون عن غيِّهم؛ لأنهم يعتقدون أنهم محسنون، وأنهم صاروا أصحاباً للمؤمنين، وأصحاباً للكافرين: هم أصحاب للمؤمنين في الظاهر، وأصحاب للكافرين في الباطن؛ ومن استحسن شيئاً فإنه لا يكاد أن يرجع عنه.

القرآن

{أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (١٩)} [البقرة: ١٩]

التفسير:

أو تُشْبه حالُ فريق آخر من المنافقين يظهر لهم الحق تارة، ويشكون فيه تارة أخرى، حالَ جماعة يمشون في العراء، فينصب عليهم مطر شديد، تصاحبه ظلمات بعضها فوق بعض، مع قصف الرعد، ولمعان البرق، والصواعق المحرقة، التي تجعلهم من شدة الهول يضعون أصابعهم في آذانهم؛ خوفًا من الهلاك، والله تعالى محيط بالكافرين لا يفوتونه ولا يعجزونه.

قوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} [البقرة: ١٩]، "أي أو مثلهم في حيرتهم وترددهم كمثل قومٍ أصابهم مطر شديد، أظلمت له الأرض، وأرعدت له السماء، مصحوبٍ بالبرق والرعد والصواعق" (٣).

واختلف في قوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} [البقرة: ١٩]، على قولين:

أحدهما: أنه المطر: قاله ابن عباس (٤). قال ابن أبي حاتم: "وكذلك فسره أبو العالية والحسن وسعيد بن جبير (٥) ومجاهد (٦)، وعطاء وعطية العوفي، وقتادة (٧)، وعطاء الخراساني والسدي والربيع بن أنس" (٨).

والثاني: أنه: السحاب. قاله الضحاك (٩)، ومنه قول علقمة بن عبدة (١٠):

كَأَنَهَّمُ صَابَتْ عَلَيْهِمْ سَحَابَةٌ ... صَوَاعِقُهَا لِطَيْرِهِنَّ دَبِيبُ

فَلا تَعْدِلِي بَيْنِي وَبَيْنَ مُغَمِّرٍ ... سُقِيتِ غَوَادِي الْمُزنِ حِينَ تَصُوبُ


(١) ديوانه ط بيروت ص ٣٢ برواية: " سقوني النسء " يقال لكل مسكر نسء.
(٢) انظر: تفسير القرطبي: ١/ ٢١٤.
(٣) صفوة التفاسير: ١/ ٣١.
(٤) أنظر: ابن أبي حاتم (١٨٠): ص ١/ ٥٤.
(٥) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ٥٤.
(٦) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ٥٤.
(٧) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ٥٤.
(٨) أنظر: تفسير ابن أبي حان: ص ١/ ٥٤.
(٩) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (١٨١): ص ١/ ٥٤.
(١٠) ديوانه: ٢٩، ط. دار صادر، ١٩٩٦. أي أنّ الطير التي لم تستطع أن تطير فزعاً ورعباً دبّت دبيباً تطلب النجاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>