للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها الملك السحاب، كما قال ابن عباس. ويكون إزجاء الملك بها السحاب، مَصْعَه إياه، وذلك أن المِصَاعَ عند العرب، أصله: المجالَدَةُ بالسيوف، ثم تستعمله في كل شيء جُولد به في حرب وغير حرب، كما قال أعشى بني ثعلبة، وهو يصف جَواريَ يلعبن بِحلْيهنَّ ويُجالدْن به (١):

إِذَا هُنَّ نَازَلْنَ أَقَرَانَهُنَّ ... وَكَانَ الْمِصَاعُ بِمَا فِي الْجُوَنْ

يقال منه: ماصَعه مصاعًا. وكأن مجاهدًا إنما قال: " مَصْعُ ملك "، إذْ كان السحاب لا يماصع الملك، وإنما الرعد هو المماصع له، فجعله مصدرًا من مَصَعه يَمْصَعه مَصِْعًا" (٢).

و(البرق): وهو الضوء اللامع المشاهد مع السحاب (كصيب) الصيب المطر، وبَرَقَ يقال في كل ما يلمع، نحو: سيف بَارِقٌ، وبَرَقَ وبَرِقَ يقال في العين إذا اضطربت وجالت من خوف قال عزّ وجل: (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) [القيامة/ ٧]، وقرئ: (برق) (٣)، وتصوّر منه تارة اختلاف اللون فقيل البُرْقَة للأرض ذات حجارة مختلفة الألوان، والأبرق: الجبل فيه سواد وبياض، وسمّوا العين بَرْقَاء لذلك، وناقة بَرُوق: تلمع بذنبها، والبَرُوقَة: شجرة تخضر إذا رأت السحاب، وهي التي يقال فيها: أشكر من بروقة (٤).

وبَرَقَ طعامه بزيت: إذا جعل فيه قليلا يلمع منه، والبارقة والأُبَيْرِق: السيف، للمعانه، والبُرَاق، قيل: هو دابة ركبها النبيّ صلّى الله عليه وسلم لمّا عرج به، والله أعلم بكيفيته، والإِبْريق معروف، وتصوّر من البرق ما يظهر من تجويفه، وقيل: بَرَقَ فلان ورعد، وأَبْرَقَ وأرعد: إذا تهدّد (٥).

قوله تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِم مِّنَ الصواعق} [البقرة: ١٩]، "أي يضعون رءوس أصابعهم في آذانهم لدفع خطر الصواعق، وذلك من فرط الدهشة والفزع كأنهم يظنون أن ذلك ينجيهم" (٦).

قال ابن مسعود: " وكان المنافقون إذا حضروا مجلسَ النبي صلى الله عليه وسلم جعلوا أصابعهم في آذانهم، فَرَقًا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أن يَنزِل فيهم شيء أو يُذكَروا بشيء فيقتَلوا" (٧).

قوله تعالى: {حَذَرَ الموت} [البقرة: ١٩]، أي خشية الموت من تلك الصواعق المدمرة" (٨).

قال الثعلبي: أي: مخافة الموت" (٩).

قال القاسمي: أي: خوف الموت من سماعها" (١٠).

قوله تعالى: {والله مُحِيطٌ بالكافرين} [البقرة: ١٩]، "أي والله تعالى محيط بهم بقدرته، وهم تحت إرادته ومشيئته لا يفوتونه، كما لا يفوتُ من أحاط به الأعداء من كل جانب" (١١).

قال القاسمي: " علما وقدرة فلا يفوتونه" (١٢).

قال الواحدي: " والله مهلكهم وجامعهم في النار" (١٣).


(١) ديوانه: ١٥، قال المحقق: "وزعم الطبري كما ترى أنه أراد جواري يلعبن بحليهن ويجالدن بها. وقد أخطأ المعنى. وإنما أراد الأعشى ما هو أبلغ. وذلك أن الأقران جمع قرن: وهو الذي يقارنك في القوة والشجاعة، وأراد به الرجال، وينازلن: أراد ما يكون منهن من المداعبة والممارسة إرادة الغلبة على عقول الرجال وعزائمهم. والجون، جمع جونة: وهي سلة صغيرة مستديرة مغشاة بالأدم يكون فيها الطيب. ويقال أيضًا: " جؤنة وجؤن " بالهمز. وذكر الأعشى المعركة القديمة الدائرة بين الرجال والنساء، يتخذن الزينة والطيب سلاحًا، فيتصدين للرجال ابتغاء الظفر والغلبة، والفتنة التي تصرع الألباب والعزائم، فيقع الرجال أسرى في أيديهن ". [حاشية تفسير الطبري: ١/ ٣٤٦].
(٢) تفسير الطبري: ١/ ٣٤٥ - ٣٤٦.
(٣) وهي قراءة نافع وأبي جعفر المدنيّين. انظر: الإتحاف ص ٤٢٨.
(٤) انظر: المثل في المجمل ١/ ١٢١، وأساس البلاغة ص ٢٠، ومجمع الأمثال ١/ ٣٨٨.
(٥) انظر: مفردات غريب القرآن، الراغب: ١١٩.
(٦) صفوة التفاسير: ١/ ٣١.
(٧) أخرجه الطبري (٤٥٢): ص ١/ ٣٤٦.
(٨) صفوة التفاسير: ١/ ٣١.
(٩) تفسير الثعلبي: ١/ ١٦٤.
(١٠) محاسن التأويل: ١/ ٢٥٩.
(١١) صفوة التفاسير: ١/ ٣١.
(١٢) محاسن التأويل: ١/ ٢٥٩.
(١٣) التفسير البسيط: ٢/ ٢٠٩، وذكره "الطبري" عن مجاهد انظر "الطبري" في "تفسيره" ١/ ١٥٨، والثعلبي في "تفسيره" ١/ ٥٥ أ، وابن عطية في "تفسيره" ١/ ١٩٣، في تفسيره والبغوي ١/ ٧٠، (أضواء البيان) ١/ ١١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>