للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الثعلبي: " أي عالم بهم، يدل عليه قوله: وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} [الطلاق: ١٢] " (١).

و(الإحاطة)، تستعمل بمعان عديدة، منها (٢):

أحدها: العلم، كقوله: {أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: ١٢] أي: لم يشذ عن علمه شيء (٣).

والثاني: القدرة، كأن قدرته أحاطت بهم (٤)، فلا محيص لهم عنه.

والثالث: الهلاك، أُحِيط بفلان، إذا دنا هلاكه، وهو محاط به، قال الله تعالى: {وَأُحِيطَ بثَمَرِهِ} [الكهف: ٤٢]، أي: أصابه ما أهلكه وأفسده (٥). ومنه قوله: وله: {إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: ٦٦] أي تهلكوا جميعاً (٦).

وفي تشبيه المثل في هذه الآية أقاويل (٧):

أحدها: أنه مَثَلٌ للقرآن، شُبِّهَ المطرُ المُنَزَّلُ من السماء بالقرآن، وما فيه من الظلمات بما في القرآن من الابتلاء، وما فيه من الرعد بما في القرآن من الزجر، وما فيه من البرق بما في القرآن من البيان، وما فيه من الصواعق بما في القرآن من الوعيد الآجل، والدعاء إلى الجهاد في العاجل، وهذا المعنى عن ابن عباس (٨).

والثاني: أنه مَثَلٌ، لما يخافونه من وعيد الآخرة لشكهم في دينهم، وما فيه من البرق بما في إظهار الإسلام من حقن دمائهم ومناكحهم ومواريثهم، وما فيه من الصواعق بما في الإسلام من الزواجر بالعقاب في العاجل والآجل.

والثالث: أنه ضَرَبَ الصيِّب مَثَلاً بظاهر إيمان المنافق، ومثل ما فيه من الظلمات بضلالته، وما فيه من البرق بنور إيمانه، وما فيه من الصواعق بهلاك نفاقه. قاله ابن عباس (٩).

وقد اختلف العلماء في هذا المثل، هل هو لطائفتين من المنافقين أم لطائفة واحدة (١٠):

القول الأول: ذهب بعض العلماء إلى أن (أو) هنا بمعنى الواو، فالمعنى على هذا أن للمنافقين مثلين، مثل الذي استوقد ناراً، ومثل أصحاب الصيب، وكون (أو) تأتي بمعنى (الواو) صحيح كما في قوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: ٢٤].

الثول الثاني: وذهب البعض إلى أن (أو) هنا للتنويع، فمن المنافقين من مثله مثل الذي استوقد ناراً، ومنهم من مثله كمثل أصحاب الصيب، والذي يؤيد هذا القول أن المنافقين أصناف، والكفار أصناف.

وقوله تعالى: {فِيهِ ظُلُمَاتٌ}، أي: ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة المطر (١١).

الفوائد:

١. من فوائد الآية: تهديد الكفار بأن الله محيط بهم؛ لقوله تعالى: {والله محيط بالكافرين}.

٢. إن عدم التفات الكفار للنفع الحقيقي، وهو منهج الله، لا يعطيهم قدرة الإفلات من قدرة الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة.

القرآن

{يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠)} [البقرة: ٢٠]

التفسير:


(١) تفسير الثعلبي: ١/ ١٦٤.
(٢) أنظر: التفسير البسيط: ٢/ ٢٠٩ - ٢١٠.
(٣) انظر "الصحاح" (حوط) ٣/ ١١٢١، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٧٠.
(٤) انظر "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٥ أ، و"الطبري" في تفسيره ١/ ١٥٨.
(٥) "تهذيب اللغة" (حاط) ١/ ٧٠٧.
(٦) أنظر: تفسير الثعلبي: ١/ ٥٥.
(٧) أنظر: النكت والعيون: ١/ ٨٢ - ٨٣.
(٨) أنظر: تفسير الطبري (٤٥٤): ص ١/ ٣٤٧، وانظر: "تفسير أبي الليث" ١/ ١٠٠، وابن عطية في "تفسيره" ١/ ١٩٢.
(٩) أنظر: تفسير الطبري (٤٥٣): ص ١/ ٣٤٦.
(١٠) تفسير الطبري: ١/ ٣٣٦.
(١١) أنظر: تفسير ابن عثيمين: ١/ ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>