للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

} [النحل: ٣٦] (١). يقول لهم: فالذي خلقكم وخلق آباءكم وأجدادَكم وسائرَ الخلق غيرَكم، وهو يقدرُ على ضرّكم ونَفعكم - أولى بالطاعة ممن لا يقدر لكم على نَفعٍ ولا ضرٍّ .. وإفراد الله تعالى بالعبادة من أجل تتقوا سَخَطه وغضَبه أن يَحلّ عليكم، وتكونُوا من المتقين الذين رضي الله عنهم. {لعلكم تتقون} (٢).

والثاني: وقيل المراد بالناس الكفار الذين لم يعبدوه، يدل عليه قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} [البقرة: ٢٣] (٣).

والقول الأول أصح (٤)، لأنه هذا أمر عام لكل الناس، بأمر عام، وهو العبادة الجامعة، لامتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه، وتصديق خبره، فأمرهم تعالى بما خلقهم له، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} (٥).

قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَكُمْ} [البقرة: ٢١]، "أي الذي "أوجدكم من العدم" (٦).

وتجدر الإشارة بأن قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَكُمْ}، صفة كاشفة تبين بعض معنى الربوبية؛ وليست صفة احترازية؛ لأنه ليس لنا ربان أحدهما خالق، والثاني غير خالق؛ بل ربنا هو الخالق (٧).

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: ٢١]، " يعني: وخلق الذين من قبلكم" (٨).

قال ابن عثيمين: " والمراد بـ "من قبلنا": سائر الأمم الماضية" (٩).

قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ٢١]، "أي لأجل أن تتقوا الله عزّ وجلّ" (١٠).

قال الضحاك: " لعلكم تتقون النار بالصلوات الخمس" (١١).

واختلف في قوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ٢١] على وجهين (١٢):

أحدهما: لعلكم تتقون بعبادتكم ربَّكم الذي خلقكم، وطاعتِكم إياه فيما أمركم به ونهاكم عنه، وإفرادكُم له العبادة، لتتقوا سَخَطه وغضَبه أن يَحلّ عليكم، وتكونُوا من المتقين الذين رضي عنهم ربهم. روي عن الضحاك (١٣) مثل ذلك.

والثاني: لغلكم تُطيعونه. قاله مجاهد (١٤).

وقوله {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ٢١]، فيه ثلاثة تأويلات (١٥):

أحدها: أن العرب استعملت "لعل" مجردة من الشك بمعنى لام كي (١٦)، فالمعنى لتعقلوا ولتذكروا ولتتقوا، فـ (لعل) في هذه الآية قال فيها كثير من المفسرين هي بمعنى إيجاب التقوى وليست من الله تعالى بمعنى ترج وتوقع (١٧) والمعنى ذلك: اعبدُوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم، لتتقوه بطاعته وتوحيده وإفراده بالربوبية والعبادة، كما قال الشاعر (١٨):

وَقُلْتُمْ لَنَا كُفُّوا الْحُرُوبَ، لَعَلَّنَا ... نَكُفُّ! وَوَثَّقْتُمْ لَنَا كُلَّ مَوْثِقِ


(١) قال السمرقندي في تفسيره: الشيطان والكاهن والصنم وكل من يدعو إلى ضلالة.
(٢) [قال العلامة أحمد شاكر: يريد الطبري أن العرب تستعمل "لعل" أحيانا بغير معنى الشك، بمعنى لام الغاية = كي، كما قال ابن الشجري في أماليه]
(٣) ينظر: تفسير القرطبي: ١/ ٢٢٥.
(٤) وهو قول أكثر المفسرين: انظر تفسير الطبري: ١/ ٣٦٤، وتفسير ابن كثير: ١/ ١٩٥.
(٥) ينظر: تفسير السعدي: ١/ ٤٤.
(٦) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٧٣.
(٧) أنظر: تفسير ابن عثيمين: ١/ ٧٣.
(٨) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٧٣.
(٩) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٧٣.
(١٠) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٢٢٥.
(١١) أخرجه ابن أبي حاتم (٢١٩): ص ١/ ٦٠.
(١٢) ينظر: تفسير الطبري: ١/ ٣٦٤.
(١٣) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (٢١٩): ص ١/ ٦٠.
(١٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٢٢٠): ص ١/ ٦٠.
(١٥) ينظر: تفسير القرطبي: ١/ ٢٢٦ - ٢٢٧.
(١٦) كما قال ابن الشجري في أماليه ١: ٥١.
(١٧) انظر: المحرر الوجيز: ١/ ١٠٥.
(١٨) لم أعرف قائلهما، ورواهما ابن الشجري نقلا عن الطبري، فيما أرجح، في أماليه ١: ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>