للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الواحدي: أي: "وادعوا من اتخذتموه معاونين من غير الله على تفسير ابن عباس (١) وعلى قول الفراء (٢) يقول: ادعوا من اتخذتم إلها من دونه، وعلى قول القرظي (٣) ومجاهد (٤)، يقول: ادعوا من يشهد لكم دون الله، فإن الله تعالى لا يشهد لكم بالصدق، كما يشهد لمحمد، فاطلبوا غيره شهداء إن كنتم صادقين في أن هذا الكتاب يقوله محمد من نفسه، وأنه ليس من عند الله، وفي قولكم: لو أردنا لأتينا بمثله" (٥).

وقوله {فادعوا}، يعني: استنصروا واستغيثوا، كما قال الراعي النميري (٦):

فَلَمَّا الْتَقَتْ فُرْسَانُنَا وَرِجَالُهُمْ ... دَعَوْا: يَا لَكَعْبٍ! وَاعْتَزَيْنَا لِعَامِرِ

يعني بقوله: " دعوْا يالكعب "، استنصرُوا كعبًا واستغاثوا بهم (٧).

قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ٢٣]، "أي: أنه مختلق وأنه من كلام البشر" (٨).

قال ابن عثيمين: "أي في أن هذا القرآن مفترًى على الله، والجواب على هذا: أنه لا يمكن أن يأتوا بسورة مثله مهما أتوا من المعاونين، والمساعدين" (٩).

الفوائد:

١ من فوائد الآية: دفاع الله سبحانه وتعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: {فأتوا بسورة من مثله}؛ لأن الأمر هنا للتحدي؛ فالله عزّ وجلّ يتحدى هؤلاء بأن يأتوا بمعارضِ لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

٢ ومنها: فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لوصفه بالعبودية؛ والعبودية لله عزّ وجلّ هي غاية الحرية؛ لأن من لم يعبد الله فلا بد أن يعبد غيره؛ فإذا لم يعبد الله عزّ وجلّ. الذي هو مستحق للعبادة. عَبَدَ الشيطان، كما قال ابن القيم. رحمه الله. في النونية: .

هربوا من الرق الذي خلقوا له وبلوا برق النفس والشيطان ٣. ومنها: أن القرآن كلام الله؛ لقوله تعالى: {مما نزلنا}؛ ووجه كونه كلام الله أن القرآن كلام؛ والكلام صفة للمتكلم، وليس شيئاً بائناً منه؛ وبهذا نعرف بطلان قول من زعم أن القرآن مخلوق.

٤ ومنها: إثبات علوّ الله عزّ وجلّ؛ لأنه إذا تقرر أن القرآن كلامه، وأنه منزل من عنده لزم من ذلك علوّ المتكلم به؛ وعلو الله عزّ وجلّ ثابت بالكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، والفطرة؛ وتفاصيل هذه الأدلة في كتب العقائد؛ ولولا خوض أهل البدعة في ذلك ما احتيج إلى كبير عناء في إثباته؛ لأنه أمر فطري؛ ولكن علماء أهل السنة يضطرون إلى مثل هذا لدحض حجج أهل البدع.

٥ ومن فوائد الآية: أن القرآن معجز حتى بسورة. ولو كانت قصيرة؛ لقوله تعالى: {فأتوا بسورة من مثله).

٦ ومنها: تحدي هؤلاء العابدين للآلهة مع معبوديهم؛ وهذا أشد ذلًّا مما لو تُحدوا وحدهم.

القرآن

{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (٢٤)} [البقرة: ٢٤]

التفسير:


(١) أنظر: تفسير الطبري (٤٩٦): ص ١/ ٣٧٦.
(٢) أنظر: معاني القرآن: ١/ ١٩. قال الفراء: "يريد آلهتكم. يقول: استغيثوا بهم وهو كقولك للرجل: إذا لقيت العدو خاليا فادع المسلمين. ومعناه: فاستغث واستعن بالمسلمين".
(٣) نقلا عن: التفسير البسيط: ٢/ ٢٥١.
(٤) أنظر: تفسير الطبري (٤٩٧)، (٤٩٨)، و (٤٩٩): ص ١/ ٣٧٦.
(٥) التفسير البسيط: ٢/ ٢٥٠ - ٢٥١.
(٦) البيت في: اللسان (عزا)، تفسير الطبري: ١/ ٣٧٧، واعتزى: انتسب، ودعا في الحرب بمثل قوله: يا لفلان، أو يا للمهاجرين، أو يا للأنصار، والاسم العزاء والعزوة، وهي دعوى المستغيث.
(٧) أنظر: تفسير الطبري: ١/ ٣٧٧.
(٨) صفوة التفاسير: ١/ ٣٥.
(٩) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>