للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال البيضاوي: "بيان نعمة أخرى مرتبة على الأولى، فإنها خلقهم أحياء قادرين مرة بعد أخرى، وهذه خلق ما يتوقف عليه بقاؤهم وتم به معاشهم" (١).

قال السعدي: " وفي هذه الآية العظيمة دليل على أن الأصل في الأشياء الإباحة والطهارة، لأنها سيقت في معرض الامتنان، يخرج بذلك الخبائث، فإن [تحريمها أيضا] يؤخذ من فحوى الآية، ومعرفة المقصود منها، وأنه خلقها لنفعنا، فما فيه ضرر، فهو خارج من ذلك، ومن تمام نعمته، منعنا من الخبائث، تنزيها لنا" (٢).

روي "عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بيدي فقال: خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل" (٣).

وقال مجاهد: " خلق الله الأرض قبل السماء، فلما خلق الأرض ثار منها دخان فذلك حين يقول: ثم استوى إلى السماء وهي دخان. قال بعضهن فوق بعض، وسبع أرضين بعضهن تحت بعض" (٤).

وقوله تعالى {لَكُمْ} [البقرة: ٢٩]، اللام هنا لها معنيان (٥):

أحدهما: أنها تفيد التعليل: أي خلق لأجلكم، ولانتفاعكم به في دنياكم ودينكم.

قال النسفي: أما الأول فظاهر، وأما الثاني فالنظر فيه وما فيه من العجائب الدالة على صانع قادر حكيم عليم، وما فيه من التذكير بالآخرة لأن ملاذها تذكر ثوابها ومكارهها تذكر عقابها" (٦).

وقال البيضاوي: " أي لأجلكم وانتفاعكم في دنياكم باستنفاعكم بها في مصالح أبدانكم بوسط أو بغير وسط، ودينكم بالاستدلال والاعتبار والتعرف لما يلائمها من لذات الآخرة وآلامها، لا على وجه الغرض" (٧).

وقال الواحدي: "فما في الأرض مخلوق لهم بعضها للانتفاع، وبعضها للاعتبار، فإن السباع والعقارب والحيات، وكل ما يؤذي ويضر فيها منفعة للمكلفين وجهة ما فيها من العبرة والإرهاب؛ لأنه إذا رئي طرف من المتوعد به كان أبلغ في الزجر عن المعصية وأدعى إلى التمسك بالطاعة، كما أنه إذا قدم طرف من الموعود به كانت النفس إليه أشوق، وعليه أحرص، والأصل في ذلك أن الخبر لا يقوم مقام المشاهدة فيما يصل إلى القلب ويبلغ إلى النفس " (٨).

والثاني: وقيل أنها تفيد الإباحة كما تقول: (أبحت لك).

والقول الأول هو الأشبه بالصواب، وهو قول عامة المفسرين.

واختلف في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة: ٢٩]ـ على أقوال (٩):

القول الأول: أن الإستواء بمعنى العلو والارتفاع: أي علا إلى السماء، فسرها به أبو العالية (١٠) والحسن (١١) والربيع (١٢)، وذكره البغوي في تفسيره: "عن ابن عباس وأكثر مفسري السلف" (١٣)، "وذلك تمسكا بظاهر لفظ استوى. وتفويضا لعلم كيفية هذا الارتفاع إلى الله عز وجل" (١٤).


(١) تفسير البيضاوي: ١/ ٦٦.
(٢) تفسير السعدي: ١/ ٤٨.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٠٤): ص ١/ ٧٤، وأخرجه مسلم في كتاب صفات المنافقين، رقم (٢٧٨٩): ص ٤/ ٢١٤٩.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٠٥): ص ١/ ٧٤.
(٥) انظر: تفسير ابن عثيمين: ١/ ٧٦.
(٦) تفسير النسفي: ١/ ٥٦ - ٥٧. قاتل النسفي: "وقد استدل الكرخي وأبو بكر الرازي والمعتزلة بقوله خلق لكم على أن الأشياء التي يصح أن ينتفع بها خلقت مباحة في الأصل".
(٧) تفسير البيضاوي: ١/ ٦٦.
(٨) التفسير البسيط: ٢/ ٢٩٥، وفي خلق هذِه الأشياء التي ذكر حكم كثيرة، منها ما علم للبشر، ومنها ما لم يعلم، وما ذكره بعض هذِه الحكم. انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٢٣، "الكشاف" ١/ ١٧٠، "زاد المسير" ١/ ٥٨، "القرطبي" ١/ ٢١٦.
(٩) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٤٢٨ - ٤٢٩.
(١٠) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٠٨): ص ١/ ٧٥.
(١١) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ٧٥.
(١٢) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ٧٥.
(١٣) انظر: تفسير البغوي: ١/ ٧٨.
(١٤) مجموع فتاوى ورسائل العثيمين " (٣/ ٣١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>