للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختاره ابن جرير قائلا: " وأوْلى المعاني بقول الله جل ثناؤه: {ثم استوى إلى السماء فسوَّاهن}، علا عليهن وارتفع، فدبرهنّ بقدرته، وخلقهنّ سبع سموات" (١)، قال شيخ الاسلام "وهو قول إجماع السلف" (٢).

ثم اختلف متأوّلو الاستواء بمعنى (العلوّ والارتفاع)، في الذي استوى إلى السّماء (٣):

أحدها: أن الذي استوى إلى السماء وعلا عليها، هو خالقُها ومنشئها.

والثاني: وقيل: بل العالي عليها: الدُّخَانُ الذي جعله الله للأرض سماء (٤). قال ابن عطية: وهذا يأباه رصف الكلام" (٥).

وقال الإمام الطبري: الاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه (٦):

أحدها: انتهاء شباب الرجل وقوّته، فيقال إذا صار كذلك: قد استوى الرجل.

والثاني: استقامة ما كان فيه أَوَدٌ من الأمور والأسباب، يقال منه: استوى لفلان أمره: إذا استقام له .. بعد أود، ومنه قول الطرماح بن حكيم (٧):

طالَ على رَسْمٍ مَهْدَدٍ أبَدُهْ ... وعَفا واسْتَوَى بِهِ بَلَدُهْ

يعني: استقام به.

والثالث: الإقبال على الشيء بالفعل، كما يقال: استوى فلان على فلان بما يكرهه ويسوءه بعد الإحسان إليه.

والثالث: الاحتياز والاستيلاء كقولهم: استوى فلان على المملكة، بمعنى احتوى عليها وحازها.

والرابع: العلوّ والارتفاع، كقول القائل: استوى فلان على سريره، يعني به علوّه عليه.

قال الإمام الطبري: "وأولى المعاني بقول الله جل ثناؤه: {ثُمَّ اسْتَوَى إلى السماءِ فَسَوَّاهُنْ}: علا عليهنّ وارتفع، فدبرهن بقدرته وخلقهنّ سبع سموات" (٨).

القول الثاني: أن الإستواء بمعنى: قصد إليها وأقبل عليهما؛ وهذا ما اختاره ابن كثير (٩)، والفراء (١٠)، والسعدي (١١)، والبغوي في تفسير سورة فصلت (١٢)، فكما تقول: كان فلان مقبلا على فلان، ثم استوَى عليّ يشاتمني - واستوَى إليّ يشاتمني، بمعنى: أقبل عليّ وإليّ يشاتمني، واستُشْهِد على أنّ الاستواء بمعنى الإقبال بقول الشاعر (١٣):

أَقُولُ وَقَدْ قَطَعْنَ بِنَا شَرَوْرَى ... سَوَامِدَ، وَاسْتَوَيْنَ مِنَ الضَّجُوعِ


(١) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٤٢٩، وتفسير ابن كثير: ١/ ٢١٣.
(٢) مجموع الفتاوى: ٥/ ٥٢١.
(٣) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٤٢٩.
(٤) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٤٢٩.
(٥) المحرر الوجيز: ١/ ١١٥.
(٦) تفسير الطبري: ١/ ٤٢٩.
(٧) ديوانه: ١١٠، واللسان (سوى) قال: " وهذا البيت مختلف الوزن، فالمصراع الأول من المنسرح، والثاني من الخفيف ". والرسم: آثار الديار اللاصقة بالأرض. ومهدد اسم امرأة. والأبد: الدهر الطويل، والهاء في " أبده " راجع إلى الرسم. وعفا: درس وذهب أثره. والبلد: الأثر يقول: انمحى رسمها حتى استوى بلا أثر.
(٨) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٤٢٩.
(٩) انظر: تفسير ابن عثيمين: ١/ ٧٦.
(١٠) انظر: معاني القرآن: ١/ ٢٥.
(١١) انظر: تفسير السعدي: ٧٤٥.
(١٢) انظر: تفسيره: ٤/ ١٢٦. ولفظه: " أي: عمد إلى خلق السماء".
(١٣) البيت لتميم بن أبي بن مقبل (معجم ما استعجم: ٧٩٥، ٨٥٧)، وروايته " ثواني " مكان " سوامد ". وشرورى: جبل بين بني أسد وبني عامر، في طريق مكة إلى الكوفة. والضجوع - بفتح الضاد المعجمة -: موضع أيضًا بين بلاد هذيل وبني سليم. وقوله: " سوامد " جمع سامد. سمدت الإبل في سيرها: جدت وسارت سيرًا دائمًا، ولم تعرف الإعياء. وسوامد: دوائب لا يلحقهن كلال. والنون في " قطعن " للإبل

<<  <  ج: ص:  >  >>