للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجهه أن الناس يثوبون إلى البيت عائذين به وملتجئين إليه لكونه كما قال الله: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: ٩٧]، وقوله-سبحانه-: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: ٦٧] أو أنهم يثوبون إليه عائذين بالله-عز وجل-من ذنوبهم وملتجئين إليه من معاصيهم، لأنه لا ملجأ منه-سبحانه-إلا إليه.

والثالث: مرجعاً، من قولهم قد ثابت العلة إذا رجعت، ومنه قيل: ثاب إليه عقله، إذا رجع إليه بعد عزوبه عنه. وهذا قول ابن عباس (١)، وروي عن أبي العالية (٢)، وسعيد بن جبير في إحدى روايته (٣)، وعطاء (٤) ومجاهد (٥)، والحسن (٦)، وعطية (٧)، والربيع بن أنس (٨)، والسدي (٩)، وابن زيد (١٠)، والضحاك (١١)، وعبدة بن أبي لبابة (١٢)، نحو ذلك (١٣).

ومن ذلك قول ورقة بن نوفل في صفة الحرم (١٤):

مثابا لأفناء القبائل كلها ... تخب إليه اليعملات الطلائح

وأكثر المفسرين قد فسروا لفظ {مَثَابَةً} بما وضع له لغة، فقالوا معناه: مرجعا (١٥).

والقول الثاني أولى بأن يحمل عليه كلام ابن عباس، لأن في الآية بعد {وَأَمْنًا}، ولو حملت على الوجه الأول لكانت {وَأَمْنًا} للتأكيد، والتأسيس خير منه، وأيضاً فإن العطف يقتضي المغايرة.


(١) اتظر: تفسير ابن أبي حاتم (١١٩١): ص ١/ ٢٢٥، وتفسير الطبري (١٩٦٧): ص ٢/ ٢٧.
(٢) تنظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ٢٢٥.
(٣) انظر: تفسير الطبري (١٩٧٢): ص ٢/ ٢٨.
(٤) انظر: تفسير الطبري (١٩٦٩): ص ٢/ ٢٧.
(٥) انظر: تفسير الطبري (١٩٦٣)، و (١٩٦٤)، و (١٩٦٥): ص ٢/ ٢٦ - ٢٧.
(٦) تنظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ٢٢٥.
(٧) انظر: تفسير الطبري (١٩٧٠): ص ٢/ ٢٧ - ٢٨.
(٨) انظر: تفسير الطبري (١٩٧٧): ص ٢/ ٢٩.
(٩) انظر: تفسير الطبري (١٩٦٦): ص ٢/ ٢٧.
(١٠) انظر: تفسير الطبري (١٩٧٨): ص ٢/ ٢٩.
(١١) تنظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ٢٢٥.
(١٢) انظر: تفسير الطبري (١٩٦٨): ص ٢/ ٢٧.
(١٣) تنظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ٢٢٥.
(١٤) من أبيات طويلة لورقة بن نوفل في البداية والنهاية لابن كثير ٢: ٢٩٧، والبيت في تفسير أبي حيان ١: ٣٨٠، بهذه الرواية، وقبل البيت في ذكر أبينا إبراهيم عليه السلام:
فمتبع دين الذي أسس البنا ... وكان له فضل على الناس راجح
وأسس بنيانا بمكة ثابتا ... تلألأ فيه بالظلام المصابح
مثابا لأفناء. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . .
بنصب " مثابا " بيد أن الشافعي روى هذا البيت في الأم ٢: ١٢٠ لورقة بن نوفل، وعجزه. تخب إليه اليعملات الذوامل
وكذلك جاء في القرطبي ٢: ١١٠:
مثابا لأفناء القبائل كلها ... تخب إليها اليعملات الذوامل
وعدها أبو حيان رواية في البيت، وبهذه الرواية ذكره صاحب اللسان في (ثوب) منسوبا لأبي طالب، وفي (ذمل) غير منسوب. والظاهر أن الشافعي رحمه الله أخطأ في رواية البيت. وأخطأ صاحب اللسان في نسبته، اشتبه عليه بشعر أبي طالب في قصيدته المشهورة.
وأفناء القبائل: أخلاطهم ونزاعهم من هاهنا وهاهنا. وخبت الدابة تخب خببا: وهو ضرب سريع من العدو. واليعملات جمع يعملة وهي الناقة السريعة المطبوعة على العمل، اشتق اسمها من العمل، والعمل الإسراع والعجلة. والطلائع جمع طليح. ناقة طليح أسفار: جهدها السير وهزلها، فهي ضامرة هزلا. يعني الإبل أنضاها أصحابها في إسراعهم إلى حج البيت. وأما " الذوامل " في الرواية الأخرى، فهو جمع ذاملة. ناقة ذمول وذاملة: وهي التي تسير سيرا لينا سريعا.
(١٥) انظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ٣٦٨ - ٣٦٩، جامع البيان للطبري: ٣/ ٢٦ - ٢٧، تفسير القرآن العظيم لابن كثير: ١/ ٢١٠ - ٢١١، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ٢/ ١١٠، مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٥٤، تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٦٣، فتح القدير للشوكاني: ١/ ٢٠٤، أنوار التنزيل للبيضاوي: ١/ ٨١١، الكشاف للزمخشري: ١/ ٣٠٩، محاسن التأويل للقاسمي: ٢/ ٢٤٧، وغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>