وبعد فقد رأيت مما أسلفنا لك: أن البلاغة هي نفسها "نظرية النظم" والتي توصل إليها عبد القاهر الجرجاني، واستنبطها من كلام النقاد السابقين، كالخطابي، والقاضي الجرجاني، والقاضي عبد الجبار، وأبي سعيد السيرافي، وأن عبد القاهر قد طبقها على النصوص الأدبية في غير كلل أو ملل، وأنه في نقده هذا لم يفقر بين النقد الأدبي، والنقد البلاغي، بل إنه ليجمع نقده في دائرة "النظم البلاغي"، الذي ارتضاه تفسيراً حقيقياً لإعجاز القرآن الكريم.
فلم يكن ينظر إلى البلاغية إلا على أنها علم واحد أساسه "النظم" الذي تفرعت منه المعاني البلاغية، التي أطلق عليها اسم، الخصائص، والكيفيات، والمزايا، وهي التي أدرجها المتأخرون فيما أسموه بعلم المعاني، واستنبطوها من عبارة عبد القاهر - في نظريته -، وهي عبارة: "معاني النحو فيما بين الكلم، كالمعاني الناشئة عن: التقديم، والتأخير والتعريف والتنكير، والذكر والحذف، والفصل والوصل، والإيجاز والأطناب والمساواة - وهكذا.
ومن هذه المعاني تتكون الصور البيانية الكبرى، وهي التشبيه، والمجاز، والكناية، والصغرى، كالاستعارة تصريحية، أو مكنية أصلية أو تبعيه والتشبيه - على حد المبالغة - والتشبيه على حد الاستعارة وهكذا وهذه الصور، أو تلك المعاني: قد تتضمن فيما جمالية راجعة إلى المعنى قبل أن تكون زينة للألفاظ (١).
ولكن المتأخرين قد نظروا إلى البلاغة على أنها علوم ثلاثة، هي: علم المعاني وعلم البيان، وعلم البديع.
(١) ... راجع في هذا كتابنا: نظرية البيان بين عبد القاهر والمتأخرين ص ٢٦١.