وذلك كما في قولك:(كرم محمد أصلًا) و (طاب على نفسًا) و (نبل الرجل خلقًا).
فقد وصفت محمدًا بالكرم، وجعلته شاملًا له، ولكنك ميزت هذا الكرم بقولك (أصلًا) فظهر ما تعنيه بكرمه، وهو: كرم أصله.
وفي هذا القول من الفخامة والتأنق في العبارة ما ليس في قولك: كرم أصل محمد.
ومثل هذا يقال في: طاب على نفسًا، ونبل الرجل خلقًا.
ومنه قوله الله تعالى:{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} فقد وصف الرأس بالاشتعال وجعله شاملًا للرأس كلها، ثم ميز هذا الاشتعال بكون (شيبًا).
وفيه من الفخامة، والتأنق في العبارة ما ليس في قولك: واشتغل شيب الرأس.
والفرق بين الإتيان - في العبارة - بالمجاز العقلي، وبين الإتيان بها على حقيقتها العقلية، وهو ما سماه عبد القاهر: مكان؟ ؟ ص ١٧٣، وموضع المزية، وسورة الفرقان، والذي فرق فيه بين قول الله تعالى:{فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} وبين أن يقال: فما ربحوا في تجارتهم، وفرق فيه بين قول الفرزدق:
يحمي - إذا اخترط السيوف - نساءنا ... ضرب نطير له السواعد أرعل
وبين قوله:(نحمي - إذا أخترط السيوف - نساءنا بضرب تطير له السواعد أرعل) قائلًا: أنظر إلى رونقه ومائه، وإلى ما عليه من الطلاوة، ثم أرجع إلى الذي هو الحقيقة، ثم أسير حالك: هل ترى مما كنت تراه شيئًا؟ .