أسلقنا لك أن المنهج الذي رسمه عبد القاهر لنظر بته في النظم البلاغي قد تضمن موضوع الحذف والتكرار، ولم يتعرض لموضوع الذكر، وأنه قد التزم بهذا فلم يهتم بموضوع الذكر واهتم بموضوع الحذف، لأن الذكر هو الأصل والحذف فرع عنه، والأصل الذي لا يتم الكلام بدونه لا يحث البلاغة ليه، وأن المتأخر بن قد استنبطوا من هذا التصرف غرضاً من أغراض الذكر، وهو: أنه الأصل ولا مقتضي للعدول عن ذلك الأصل.
وبهذا يكون موضوع الذكر مفهوماً عند عبد القاهر من كونه هو الأصل، أما التكرار فقد ذكره منهجاً ولم يأت به تطبيقاً، ولكنه اهتم بإيراد المسند فعلاً أو اسماً.
وبهذا ينحصر بحثنا هنا في موضوعات ثلاثة هي: ذكر المسند، وتكرار، وإيراده أسماً أو فعلاً.
أولاً: ذكر المسند:
قالوا: إن المسند يذكر لنفس الدواعي التي اقتضت ذكر المسند إليه.
وذلك كسكونه هو الأصل ولا مقتضي العدول عن ذلك الأصل، كقولك ابتداء: أكثم بن صيفي خطيب العرب في الجاهلية.
وكالاحتياط لضعف التعويل على القرينة، كقولك في جوانب من قال: من أكرم العرب في الجاهلية وأشجعهم؟ -: عنترة أشجعهم، وحاتم أجودهم، لأنك لو قلت: عنترة وحاتم وحذف المسند إلى كل منهما لاحتمل أن تكون قد أردت: عنترة أكرمهم، وحاتم أشجعهم، فذكرت المسند إلى كل منهما حتى يتعين المخاطب.