قالوا: إن تقديم المسند يكون لتخصيصه بالمسند إليه، أي تقصر المسند إليه علي المسند، وذلك كما تقوم:(مصري أنا) فتقديم المسند هنا قد أفاد قصر المتكلم علي المصرية لا يتعداها إلى الشامية، فيكون قصرا إضافيا، أولا يتعداها إلى غيرها من سائر الصفات فيكون قصرا حقيقياً إدعائياً.
ومنه قول الله تعالي:{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} أي أن دينكم مقصور عليكم لا يتجاوزكم إلي، وديني مقصور علي لا يتجاوزني إليكم فالقصر هنا إضافي في الموضعين.
ومنه قول الله تعالى:{لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ} الغول: ما يتبع شرب خمر من وجع الرأس وثقل الأعضاء وغياب العمل وغير ذلك والمعني: أن خمور الجنة لا غول فيها، بخلاف خمور الدنيا فإن فيها غولا.
والشاهد في الآية الكريمة تقديم المسند وهو (الجار والمجرور) لإفادة تخصيصه بالمسند إليه، وأن اقتضاء الغول خاص بخمور الجنة.
ومما يدل علي إفادة التقديم التخصيص: قوله تعالى: {لَا رَيْبَ فِيهِ} فالظرف هنا - وهو المسند - لم يقدم علي المسند إليه فلم يقل: لا فيه، لأنه لو قدم لأوهم التقديم ثبوت الريب في سائر الكتب السماوية بناء علي اختصاص عدم وقوع الريب بالقران الكريم مع أن الريب منتف عنها.
ومنه قول أبي تمام يمدح محمد بن عبد الملك الزيات:
لك قلم الأعلى الذي بشباته ... يصاب من الأهوال الكلي والمفاصل