للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصورة الثالثة:

الالتفات من الخطاب إلى التكلم:

ويمثلون لها بقول علقمة بن عبدة بن النعمان بن قيس (١):

طحا بك قلب في الحسان طروب ... بعيد الشباب عصر حان مشيب

يكلفني ليلى، وقد شط وليها ... وعادت عواد بيننا وخطوب

يقول: لقد أضربك قلب هائم يحب الحسان، في الوقت الذي آذنت فيه شمس الشباب بالمغيب؛ وهو مع ذلك لا يفتأ بطالبتي بوصل ليلى، في وقت عز فيه وصالها، وحالت صروف الزمان دونه، فقد التفت الشاعر من الخطاب في (طحابك) إلى التكلم في (يكلفني).

والسر في هذا الالتفات: أنه بعد أن جرد من نفسه شخصاً يخاطبه ويحدثه عما فعل به القلب يشغفه بالحسان بعد انصرام الشباب واقتراب المشيب، أحس بما ينوه به من تكليف القلب له وصل ليلى في وقت عز وصالها، وحالت غوازل الأيام دونها؛ فالتفت إلى نفسه فأجرى الحديث على طريق التكلم ليبث شكواه، مما ينوه به.

ودونك قول مرة بن محكان التميمي السعدي (٢) في القرى:

يا ربة البيت قومي غير صاغرة ... ضمي إليك رحال القوم والقربا


(١) الأصمعيات ٣٩٠.
(٢) ديوان الحماسة لأبي تمام ٢/ ٢٤٢.

<<  <   >  >>