للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غبراء فاحلة يكره ورودها، تهب على الريح فيها حاملة رمالاً، فإذا مت فافتقدوا عميداً مثلي.

وقد رأيت أنه قد أجرى الحديث في الأبيات الثلاثة الأولى، والشطر الأول من البيت الرابع على طريق التكلم لأنه يتحدث عن نفسه متحسراً على ما يقع له من تركة في حفرة غبراء تسفي عليه الريح، ويكاء بناته، وزوجته، وأقربائه.

ولكنه التفت فعبر عن نفسه بطريق الغيبة فقال: (فابعثوا رجلاً له قلب حديد أصمع) لأنه افترض موته، وموته يناسب غيبته، فأوهم أنه يحدثهم عن رجل لا يعرفونه، وأخذ يعدد لهم صفاته، من القوة، والصلابة، و؟ ؟ ص ٣٢٨.

ثم استمع إن شئت إلى قول حماس بن ثامل (١):

ومستنبح في لج ليل دعوته ... بمشبوبة في رأس صمد مقابل

وقلت له: أقبل، فإنك راشد ... وإن على الناري الندى وابن ثامل

لج الليل: معظم ظلمته، والمشبوبة، النار المضطرمة، والصمد: المكان المرتفع.

يعني: رب مستنج في ظلام الليل دعوته للضيافة بما أوقدت له من النار في المكان العالي المقابل لوجهته فتكون دليلاً له، وبشرته بقدومه علي، وأريته استبشاري به وانتظاري إياه.

وقد رأيت أنه أجرى الحديث على التكلم، لأنه يفتخر بكرمه، وقرأه للضيف، والفخر يناسبه الحديث عن النفس، ولكنه التفت فعبر عن نفسه بطريق الغيبة، فقال: "وابن ثامل" أي ذلك الرجل المعروف بحبه للكرم، وشغفه بقرى الضيف، فكأن الضيف إذا ما سمع اسمه عرفه فاطمأن إلى الكرم، وضمن القرى.


(١) ديوان الحماسة ٢/ ٣٠٤.

<<  <   >  >>