للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أجل الأشياء، وأوجعها، ولهذا قال: (وأغفوا إذا ما مال مثل غنائه) أي إذا ما مات فحاولوا أن تنفعوا نفعه، وأن تسدوا مسده، ثم قال: (ولا يحرز الأعداء ما كنت أمنع) ولم يقل: ما كان يمنع - مع أنه مقتضى ظاهر الحال -، لأن ما كان يمنعه، أي يحميه، إنما كان يمنعه في حال حياته فناسب أن يتحدث عن نفسه بطريق التكلم، ولهذا فإنه قد التفت مرة أخرى فأجرى الحديث على طريق الغيبة على تقدير موته فقال: (إن مات الغطمش) ولم يقل: إن مت ثم التفت فأجرى الحديث على طريق التكلم فقال: (إذا ما جرت فوقي أما ليس بلقع)، لأنه يريد أن يثبت لأعدائه أنه ما يزال حياً، فلا يفرحوا.

واستمع - أيضاً - إلى قول عبدة بن الطبيب، من قصيدة يوصى فيها بغيه، لما أحس بدنو أجله (١):

ولقد علمت بأن قصري حفرة ... غبراه، يحملني إليها شرجع

فبكى بناتي شجوهن وزوجتي ... والأقربون إلى ثم تصدعوا

وتركت في غبراه يكره وردها ... تسغى على الريح حين أودع

فإذا مضيت إلى سبيلي فابعثوا ... رجلاً له قلب حديد أصمع

قصرى: آخر أمري، الشرجع خشب يشد بعضه إلى بعض كالسرير يحمل عليه الموتى، الشجو: الحزن، تصدعوا تفرقوا، الأصمع: الحديد المجتمع ليس بمنتشر.

يقول: ولقد علمت بأن آخر أمري حفرة يحملني إليها نمش، فتبكي بناتي وزوجتي حزناً، ويبكي الأقربون إلى، ثم يتفرقون، وأترك في حفرة


(١) الأصمعيات ١٤٨.

<<  <   >  >>