للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن يقول: "من رحمتي" وذلك لما في الالتفات من فائدة اقتضاها المقام، وذلك أنه أجرى الحديث أولاً على طريق التكلم لأن الله تعالى أراد أن يغمر عباده الذين أسرفوا على أنفسهم في المعاصي ثم ندموا على ما قدمت أيديهم، بعطفه وأن يسيل عليهم رداء الأمان فأضافهم إليه سبحانه، ولكنه التفت فعبر عن نفسه بطريق الغيبة فقال: {لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} تعظيماً لاسمه سبحانه، وإشعاراً للمخاطبين بما يحمله هذا الاسم من عظمة، فيطمئنوا إلى رحمته، لأن أخص صفات الله تعالى هي الرحمة.

واستمع إلى قول الغطمش (١):

إذا مت فأبكي يا علي وأعولي ... على هالك جلد أجل وأوجع

وأغشوا إذا ما مال مثل غنائه ... ولا يحرز الأعداء ما كنت أمنع

سيفرح إن مات الغطمش عصبة ... إذا فاء من رهط الغطمش رضع

فيا فرحة ما يفرحن عدونا ... إذا ما جرت فوقي أما لبس بلقع

لما كانت حياته تناسب التكلم، وموته يناسب الغيبة، أعطى كلا من الحالين ما يناسبه حيث كان حياً أجرى الحديث على طريق التكلم فقال: (إذا مت) وحيث قدر موته، أجرى الحديث على طريق الغيبة فقال: (على هالك) ولم يقل على، لأنه يوهم السامع أنه يتحدث عن بطل جلد موته


(١) الأقصى الغريب ٤٥.

<<  <   >  >>