للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هممت بأن لا أطعم الدهر بعدهم ... حياة؛ فكان الصبر أبقى وأكرما

يقول: لقد فاديت أبا أوس لأنبهه كعادتي لما أنبلج الصبح فلم يجبني، فقد حان فراق من أخ ناصح لك، كان عند الغضب ناشر كثير، ولكنه كان عند الرضا كأنه ولد مع الخير.

وقد تلى موت قرواش موت عامر، فبدل السرور يوم ماتا بالغم، وأصبح مذمماً لموت مثل هؤلاء الشرفاء، ولقد هممت بأن لا أطعم بعدهم أبداً زهداً في هذه الحياة، ولكنني وجدت الصبر من الكرم، والاقتداء بالناس في الصبر عند المصائب أبقى للذكر الجميل.

وقد رأيت أن الشاعر عندما كان يصف حاله قبل موت صاحبه أجرى الحديث على طريق التكلم، لأنه أنسب بحاله؛ كأنه يبث شكواه إلى من يسمعه، ولكنه لما فوجئ بموت صاحبه التفت إلى نفسه فجرد منها شخصاً يخاطبه، كأنه ينعي إليه أخاً ناصحاً، شجاعاً، خيراً.

ولكنه بعد أن تتابعت عليه الخطوب بموت صاحب، بعد صاحب ووطن نفسه على تحملها انكفأ على نفسه وأجرى الحديث على طريق التكلم ليبث شكواه.

الصورة الثانية:

الالتفات من التكلم إلى الغيبة وذلك كما في قول الله تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} فقد عبر عن المعنى أولاً بطريق التكلم، فقال: {يَا عِبَادِيَ} ثم التفت فعبر عنه بطريق الغيبة فقال: {رَحْمَةِ اللَّهِ}، لأن الاسم الظاهر من قبيل الغيبة، وكان مقتضى الظاهر

<<  <   >  >>