للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حياته تناسب خطابه؛ فلما كان الحديث عن إضاعة دمه بعد موته تناسب أن يتحدث عنه حديثه عن الغائب، كأنه يحكي قصة بطل عظيم كان جديراً بألا يترك دمه هجراً؛ فهو يروي لسامعيه قصته العجيبة.

الصورة الخامسة:

الالتفات من الغيبة إلى التكلم؛ ويمثلون له بقول الله تعالى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ} (١)، فقد التفت من الغيبة في قوله: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ} إلى التكلم في قوله: {فَسُقْنَاهُ} وكان مقتضى الظاهر أن يقال: فساقه.

وذلك لأن سوق السحاب إلى بلد ميت فيحيا، أمر لا يقدر عليه غير مقسم الأرزاق سبحانه وتعالى، لأن ذلك نوع من قسمة الأرزاق؛ حيث يسوقها سبحانه إلى من يشاء من عباده فتناسب أن يسند السوق إلى ذاته العلية.

فالالتفات هنا تنبيه إلى أن قسمة الأرزاق أمر تكفل به سبحانه، ولم يتركه لأحد من خلقه.

ومنه قول حاتم الطائي (٢):

وعاذلة هبت بليل تلومني ... كأني إذا أعطيت مالي أضيمها

أعاذل: إن الجود ليس بمهلكي ... ولا مخلد النفس الشحيمة لومها


(١) فاطر ٩.
(٢) ديوان الحماسة لأبي تمام ٢/ ٣١١.

<<  <   >  >>