للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتذكر أخلاق الفتى وعظامه ... مغيبة في اللحد بال رميمها

ومن يبتدء ما ليس من خيم نفسه ... يدعه ويغلبه على النفس خيمها

والمعنى: رب لائمة اجتهدت في عذلي كأنها رأت إنفاق المال ظلماً لها. ثم التفت إليها قائلاً. يا عاذلة: إن جودي لا يهلكني، وإن النفس البخيلة بما عندها من المال لا يجلدها لؤمها في الدنيا وإن أخلاق الكريم لا تزال تذكر وهو مغيب في قبره بالية عظامه؛ ومن يبتدع ما ليس من خلقه وطبيعته لابد من أن يأتي عليه يوم يتركه فيه ويرجع إلى أخلاقه.

وقد رأيت أن الشاعر قد تحدث عن زوجته حديثه عن الغائبة في قوله: "وعاذلة هبت تلوم" وقوله: "أضيمها" ثم التفت إلى خطابها فقال: "أعاذل".

وذلك لأنها لما كانت لائمة له على جوده - والجود من طبيعته - كانت جديرة بأن يعرض عنها، ويتحدث عنها حديثه عن الغائبة عنه.

ولكنه لما انتقل إلى مقطع آخر من مقاطع المعنى وهو تنبيه زوجته إلى الخطأ في تفكيرها، وإرشادها إلى التفكير السليم في فهم الثمرة الحقيقية التي يجنيها الكريم من شجرة الجود، ناسب هذا المعنى خطابها، لأن التنبيه والإرشاد لا يكون إلا حيث يكون المستفيد بهما حاضراً مخاطباً.

ومنه قول قراد بن غوية (١):

ألا ليث شعري ما يقولن مخارق ... إذا جاوب الهام المصيح هامتي


(١) ديوان الحماسة لأبي تمام ١/ ٤٢٣.

<<  <   >  >>