أعجب عبد القاهر الجرجاني - كما أسلفنا لك - بالحذف إعجاباً كبيراً حتى قال: رب حذف هو قلادة الجيد، وقاعدة التجويد!
ثم قال: وأما المفعول به، فإن اللطائف فيه أكثر، وما يظهر بسببه من الحسن والرونق أعجب وأظهر، ذلك لأن أغراض الناس تختلف - في ذكر الأفعال المتعدية -، فهم يذكرونها تارة، ومرادهم أن يقتصروا على إثبات المعاني التي اشتفت منها للفاعلين، من غير أن يتعرضوا الذكر المفعولين، وحينئذ يكون الفعل المتعدي كغير المتعدي، ومثاله: قولهم: فلان يحل ويعقد، ويأمر، وينهي ويضر وينفع، ومنه قوله تعالى:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}؟ أي: هل يستوي من له علم ومن لا علم له؟ وقوله:"وأنه هو أضحك وأبكى"، وأنه هو أمات وأحيا"، وقوله تعالى:{وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} أي: هو الذي منه الأحياء والإماتة، والإغناء والاقناء وتارة أخرى يكون للفعل مفعول مقصود، غير أنه يحذف لفظا لدليل يدل عليه (١).