للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجاء المتأخرون فوضحوا كلام عبد القاهر على النحو التالي:

قال الخطيب - في مقدمة حديثه عن حذف المفعول -: حال الفعل مع المفعول، كحالة مع الفاعل؛ فكما أنك إذا أسندت الفعل إلى الفاعل كان غرضك أن تفيد وقوعه منه لا أن تفيد وجوده في نفسه فقط، كذلك إذا عديته إلى المفعول، كان غرضك أن تفيد وقوعه عليه، لا أن تفيد وجوده في نفسه، فقد اجتمع الفاعل والمفعول في أن عمل الفعل فيهما إنما كان ليعلم التباسه بهما، فعمل الرفع في الفاعل ليعلم التباسه به من جهة وقوعه منه، والنصب في المفعول ليعلم التباسه به من جهة وقوعه عليه.

أما إذا أريد الإخبار بوقوعه في نفسه من غير إرادة أن يعلم ممن وقع في نفسه، أو على من وقع فالعبارة عنه أن يقال: كان ضرب، أو: وقع ضرب أو: وجد، أو: نحو ذلك من ألفاظ تفيد الوجود المجرد (١).

[والفعل المعتدي إذا اسند إلى الفاعل ولم يذكر له مفعول، كان الغرض من ذلك هو أحد أمرين]

أولهما: أن يكون الغرض هو مجرد إسناد الفعل إلى الفاعل، دون النظر إلى المفعول، وحينئذ يكون الفعل المعتدى بمنزلة الفعل اللازم، فلا يذكر له مفعول، لئلا يفهم السامع أن الغرض هو: الإخبار بوقوع الفعل باعتبار تعلقه بالمفعول، لا مجرد إفادة نسبته إلى الفاعل الذي هو المقصود، ألا ترى أنك إذا قلت: "هو يعطي الدنانير": كان المعنى على أنك قصدت أن تعلم السامع أن الدنانير تدخل في عطائه أو أنه يعطيها خصوصاً دون غيرها، وكان غرضك - على الجملة - بيان جنس ما تناوله الإعطاء لا الإعطاء نفسه (٢)


(١) ... الإيضاح ص ٦١.
(٢) ... دلائل الإعجاز ص ١١٩.

<<  <   >  >>