للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[(٨) أسلوب الحكيم]

من صور إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر: ما يسميه عبد القاهر الجرجاني مغالظه (١).

ويسميه السكاكي أسلوب الحكيم، وعرفه الخطيب بأنه: تلقي المخاطب بغير ما يترقب، يحمل كلامه على خلاف مراده، تنبيهاً له على أنه الأولى بالقصد، أو السائل بغير ما يتطلب، بتنزيل سؤاله منزلة غيره، تنبيهاً له على أنه الأولى بحاله أو المهم له. ففيه قسمان:

أولهما: تلقي المخاطب بغير ما يترقب.

وثانيهما: تلقي السائل بغير ما يتطلب.

والمغالظة: من قولهم: إياك والمكابرة والمغالظة، ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأغلوطات، وهي المسائل التي يغالظ بها (٢).

والحكيم: من الحكمة، أي الذي يجري في كلامه على طريقة الحكماء.

ويبدو أن القسم الأول من هذا الأسلوب فيه مغالظة - كما يقول عبد القاهر -، لأن حمل كلام المخاطب على خلاف مراده مغالظة واضحة، كما أن القسم الثاني منه فيه حكمة، لأن فيه جرياً على طريقة الحكماء في الإرشاد والنصح والتنبيه إلى ما هو الأحسن والأفضل والأجدى.

ويمثلون للأول بقول القبعثري الحجاج - وقد كان القبعثري جالساً في بستان مع جماعة من إخوانه في زمن الخصوم، أي العنب الأخضر، فذكر بعضهم الحجاج، فقال القبعثري: المهم سو وجهه، واقطع عنقه، واسقني


(١) الدلائل ١٠٧.
(٢) المان، وأساس البلاغة مادة (غلط).

<<  <   >  >>